الإهليلجة،

جعفر بن محمد الصادق (المتوفى: 148 هـ)

[تهيئة الله تعالى الجسم لقبول الدواء المناسب للداء]

صفحة 59 - الجزء 1

  ما انحدر؟ أم كيف عرفت الحواس هذا حتى علم أن الذي ينبغي للأذن لا ينفع العين؟ وما ينتفع به العين لا يغني من وجع الأذن، وكذلك جميع الأعضاء يصير كل دواءٍ منها إلى ذلك الداء الذي ينبغي له بعينه، فكيف أدركت العقول والحكمة والحواس هذا وهو غائب في الجوف والعروق في اللحم، وفوقه الجلد لا يدرك بسمعٍ ولا ببصر، ولا بشم ولا بلمس، ولا بذوق.

  قال: لقد جئت بما أعرفه⁣(⁣١) إلا أننا نقول إن الحكيم الذي وضع هذه الأدوية وأخلاطها كان إذا سقى أحداً شيئاً من هذه الأدوية فمات شق بطنه وتتبع عروقه ونظر مجاري تلك الأدوية، وأتى المواضع التي تلك الأدوية فيها.

  قلت: فأخبرني ألست تعلم أن الدواء كله إذا وقع في العروق اختلط بالدم فصار شيئاً واحداً؟

  قال: بلى:

  قلت: أما تعلم أن الإنسان إذا خرجت نفسه برد دمه وجمد؟

  قال: بلى.

  قلت: فكيف عرف ذلك الحكيم دواءه الذي سقاه للمريض بعد ما صار غليظاً عبيطاً ليس بأمشاج يستدل عليه بلون فيه غير لون الدم؟

  قال: لقد حملتني على مطية صعبة ما حمّلت على مثلها قط، ولقد جئت بأشياء لا أقدر على ردها.


(١) في نسخة: لقد جئت بما أعرف.