الإهليلجة،

جعفر بن محمد الصادق (المتوفى: 148 هـ)

[النظر في الآيات]

صفحة 32 - الجزء 1

[النظر في الآيات]

  ثم نظرت العين إلى العظيم من الآيات من السحاب المسخر بين السماء والأرض بمنزلة الدخان لا جسد له يلمس بشيء من الأرض والجبال، يتخلل الشجرة فلا يحرك منها شيء، ولا يهصر منها غصناً، ولا يعلق منها بشيء يعترض الركبان فيحول بعضهم من بعض من ظلمته وكثافته، ويحتمل من ثقل الماء وكثرته ما لا يقدر على صفته، مع ما فيه من الصواعق الصادعة، والبروق اللامعة، والرعد والبرد والثلج والجليد ما لا تبلغ الأوهام صفته ولا تهتدي القلوب إلى كنه عجائبه، فيخرج مستقلاً في الهواء يجتمع بعد تفرقة ويلتحم بعد تزايله، تفرقه الرياح من الجهات كلها حيث تسوقه بإذن ربها، يسفل مرة ويعلو أخرى، متمسك بما فيه من الماء الكثير الذي إذا أزجاه صارت منه البحور، يمر على الأراضي الكثيرة والبلدان المتنائية لا تنقص منه نقطة، حتى ينتهي إلى ما لا يحصى من الفراسخ فيرسل ما فيه قطرة بعد قطرة، وسيلاً بعد سيل متتابع على رسله، حتى ينقع البرك وتمتلي الفجاج، وتعتلي الأودية بالسيول كأمثال الجبال غاصة بسيولها، مصمخة الأذان لدويها وهديرها فتحيا بها الأرض الميتة، فتصبح مخضرة بعد أن كانت مغبرة، ومعشبة بعد أن كانت مجدبة، قد كسيت ألواناً من نبات عشب ناظرة زاهرة، مزينة معاشاً للناس و الأنعام،