الإهليلجة،

جعفر بن محمد الصادق (المتوفى: 148 هـ)

[الله الذي أتقن كل شيء خلقه]

صفحة 73 - الجزء 1

[الله الذي أتقن كل شيء خلقه]

  قلت: خلق الله السماء سقفاً مرفوعاً، ولولا ذلك اغتم خلقه لقربها، وأحرقتهم الشمس لدنوها، وخلق لهم شهباً ونجوماً يهتدى بها في ظلمات البر والبحر لمنافع الناس، ونجوماً يعرف بها أصل الحساب فيها الدلالات على إبطال الحواس، ووجود معلمها الذي علمها عباده مما لا يدرك علمها بالعقول فضلاً عن الحواس، ولا تقع عليها الأوهام، ولا تبلغها العقول؛ لأنه العزيز الجبار الذي دبرها وجعل فيها سرجاً وقمراً منيرا يسبحان⁣(⁣١) في فلك يدور بهما دائبين⁣(⁣٢) يطلعهما تارة ويأفلهما أخرى، فبنى عليه الأيام والشهور والسنين التي هي من سبب الشتاء والصيف والربيع والخريف، أزمنة مختلفة الأعمال أصلها اختلاف الليل والنهار اللذين لو كان واحد منهما سرمداً على العباد لما قامت لهم معايش أبداً، فجعل مدبر هذه الأشياء وخالقها النهار مبصراً والليل سكناً، وأهبط فيهما الحر والبرد متباينين لو دام واحد منهما بغير صاحبه ما نبتت شجرة ولا طلعت ثمرة، ولهلكت الخليقة؛ لأن ذلك متصل بالريح المصرفة في الجهات الأربع، باردة تبرد أنفاسهم وحارة تلقح أجسادهم، وتدفع الأذى عن أبدانهم ومعايشهم، ورطوبة ترطب طبائعهم، ويبوسة تنشف رطوباتهم، وبها يأتلف المفترق وبها يتفرق الغمام المطبق حتى ينبسط في السماء كيف يشاء


(١) سبح في الماء وبالماء: عام وانبسط فيه، ويستعار لمر النجوم وجري الفرس وما شاكل.

(٢) أي مستمرين.