الإهليلجة،

جعفر بن محمد الصادق (المتوفى: 148 هـ)

[وصف لبعض عجائب الملكوت المدركة بالحواس وإثارتها لدفائن العقول]

صفحة 29 - الجزء 1

[وصف لبعض عجائب الملكوت المدركة بالحواس وإثارتها لدفائن العقول]

  قلت: أما إذا أبيت إلا النزوع إلى الحواس فإنا لنقبل نزوعك إليها بعد رفضك لها، ونجيبك في الحواس حتى يتقرر عندك أنها لا تعرف من سائر الأشياء إلا الظاهر مما هو دون الرب الأعلى سبحانه وتعالى، فأما ما يخفى ولا يظهر فليست تعرفه، وذلك أن خالق الحواس جعل لها قلباً احتج به على العباد، وجعل للحواس الدلالات على الظاهر الذي يستدل بها على الخالق سبحانه، فنظرت العين إلى خلق متصل بعضه ببعض فدلت القلب على ما عاينت، وتفكر القلب حين دلته العين على ما عاينت من ملكوت السماوات وارتفاعها في الهواء بغير عمد يرى، ولا دعائم تمسكها لا تؤخر مرة فتنكشط، ولا تقدم أخرى فتزول، ولا تهبط مرة فتدنو، ولا ترتفع أخرى فتنأى، لا تتغير لطول الأمد ولا تخلق لاختلاف الليالي والأيام، ولا تتداعى منها ناحية، ولا ينهار منها طرف، مع ما عاينت من النجوم الجارية السبعة⁣(⁣١) المختلفة بمسيرها لدوران الفلك، وتنقلها في البروج يوماً بعد يوم، وشهراً بعد شهر، وسنة بعد سنة، منها السريع ومنها البطيء، ومنها المعتدل السير، ثم رجوعها واستقامتها، وأخذها عرضاً وطولاً، وخنوسها عند


(١) الأفلاك السبعة أو النجوم السبعة كما حددها الأولون وهي عندهم [الشمس والقمر، والزهرة وعطارد، والمشترى والمريخ وزحل].