الإهليلجة،

جعفر بن محمد الصادق (المتوفى: 148 هـ)

[الله الذي أتقن كل شيء خلقه]

صفحة 74 - الجزء 1

  مدبره، فيجعله كسفاً فترى الودق يخرج من خلاله بقدرٍ معلوم لمعاش مفهوم، وأرزاق مقسومة، وآجال مكتوبة، ولو احتبس عن أزمته ووقته هلكت الخليقة ويبست الحديقة، فأنزل الله المطر في أيامه ووقته إلى الأرض التي خلقها لبني آدم وجعلها فرشاً ومهادا، وحبسها أن تزول بهم، وجعل الجبال لها أوتاداً، وجعل فيها ينابيع تجري في الأرض بما تنبت فيها لا تقوم الحديقة والخليقة إلا بها، ولا يصلحون إلا عليها، مع البحار التي يركبونها ويستخرجون منها حلية يلبسونها، ولحماً طرياً وغيره يأكلونه، فاعلم أن إله البر والبحر والسماء والأرض وما بينهما واحدٌ حي قيوم، مدبر حكيم، وأنه لو كان غيره لاختلفت الأشياء، وكذلك السماء نظير الأرض التي أخرج الله منها حباً وعنباً، وقضباً وزيتوناً ونخلاً وحدائق غلباً، وفاكهة وأباً، بتدبير مؤلف مبين، بتصوير الزهرة والثمرة حياة لبني آدم، ومعاشاً تقوم به أجسادهم، وتعيش بها أنعامهم التي جعل الله في أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين، والإنتفاع بها والبلاغ على ظهورها معاشاً لهم لا يحيون إلا به، وصلاحاً لا يقومون إلا عليه، وكذلك ما جهلت من الأشياء فلا تجهل أن جميع ما في الأرض شيئان: شيئٌ يولد وشيء ينبت، أحدهما آكل والآخر مأكول، ومما يدلك عقلك أنه خالقهم ما ترى من خلق الإنسان وتهيئة جسده لشهوة الطعام والمعدة لتطحن المأكول، ومجاري العروق لصفوة الطعام وهيأ لها الأمعاء، ولو كان خالق المأكول غيره لما خلق الأجساد مشتهية للمأكول وليس له قدرة عليه.