فصل
  وقال النبيء ÷: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي»، فقد استخلفهم رسول الله ÷ ولم يترك الناس في حيرة.
  وهذا الحديث روته الأمة، وقد روي بألفاظ مختلفة متفقة في المعنى. وهو يدل على أن الإمامة، والخلافة، فيهم، من وجوه:
  الأول: أن معنى «تارك فيكم»: مخلف فيكم، والخلافة هي الإمامة.
  الثاني: أنه قرنهم بالقرءان، وهو لا يجوز مخالفته، فكذلك هم؛ ولأنه حكم على المتمسك بهم بنفي الضلال، فيحكم على النقيض بنقيضه؛ ولقوله تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ}[يونس ٣٢]. والولاية لتنفيذ ما جاء به، وأهل الضلال لا ينفذون ذلك.
  الثالث: أن هذا الحديث والآيات المتقدمة، وما سيأتي، قد دلَّتْ على أن إجماعهم حجة، وهم قد أجمعوا على حصرها فيهم.
  ولأن الله يقول: {أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ}[يونس ٣٥]، وإذا كانت الولاية في غيرهم كانوا تابعين غير متبوعين، والآية قد دلت على وجوب اتباعهم.
  الرابع: أن الحديث ورد مورد الاستخلاف؛ لأنه ÷ تكلم به في يوم الغدير، بعد قوله: «يوشك أن أدعى فأجيب، فماذا أنتم قائلون؟» فقالوا: نشهد أنك قد بلغت. فخلفهم في الأمة، ثم نصب عليًّا # أَوَّلَهَم وَأَوْلَاهُم.
  وتكلم به أيضًا في حجة الوداع وفي مرض الوفاة، وهذه مقامات الاستخلاف.
  والدليل الثاني: قوله ÷: «أهل بيتي كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى»، وهذا نصٌّ صريحٌ في ضلال من خالفهم، فكيف بمن تقدمهم؟!.
  الدليل الثالث: إجماع الصحابة على استحقاقها بالقربى؛ لأن المهاجرين احتجوا على الأنصار بها، واستسلمت الأنصار إلا سعد بن عبادة، وقد مات، وصح الإجماع بعد موته. وبنو هاشم قالوا بالموجب واستدلوا على المهاجرين بها.