[بحث في آية المشيئة: إن الله لا يغفر أن يشرك به ...]
  وأوجب الخلود على من كسب سيئة أي سيئة، وكذلك قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاّ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}[آل عمران: ٢٤]، فحكم بأن هذا غرور، وأنه الذي جرأهم على المعاصي، وأنه افتراء.
  مع أنه ليس ثَمَّ احتمال إلا لو قال: إلا من نشاء. والمحتمل لا يحتج به أيضاً، فكيف وقد صادم الأدلة القاضية بخلود الفساق.
[بحث في آية المشيئة: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ...]
  فإن قيل: فما تقول في قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}[النساء: ١١٦].
  قيل له: المشيئة في حق الله مجاز، وإنما هي عبارة عن من علم الله أن الحكمة في أن يغفر لهم، وقد أخبر الله في آيات أخرى بمن يغفر لهم.
  فإن قيل: لا بد أن يكون بين الشرك، وبين ما دونه فارق.
  قيل له: الشرك لا يغفر مطلقاً، ولو خطأ إلا بالتوبة، وما دونه يغفر إذا كان خطأ، ألا ترى أن من تزوج بامرأة في عدتها خطأ، أو أدخل عليه غير امرأته خطأً، أو شرب خمراً، أو تزوج بامرأة المفقود، أو صلى إلى غير القبلة كل ذلك خطأ فإنه غير مؤاخذ، ولا يغفر له إذا أشرك خطأ، ولا يمكن أن يعارض بها الآيات المتقدمة الصريحة في دخول أهل الكبائر وخلودهم.
  ولأنه يكون إغراءً بفعل القبيح، والله لا يفعله.
  أو نقول: إن المعاصي الكبائر كلها شرك لقوله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لاَ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}[يس: ٦٠]، ولم يعبدوه وإنما أطاعوه فسماها عبادة.
  وقد سمى الرياء شركاً في قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}[الكهف: ١١٠]، وأقل أحوالها أن تكون من المتشابه والآيات الأولى محكمات؛ لأنها صريحات.