القول السديد شرح منظومة هداية الرشيد،

الحسين بن يحيى بن محمد (المتوفى: 1435 هـ)

[منافاة الشفاعة لأهل الكبائر للحكمة]

صفحة 140 - الجزء 1

[منافاة الشفاعة لأهل الكبائر للحكمة]

  هذا وأما مخالفتها للحكمة؛ فلأنَّ النبي ÷ لبث في قومه نحو ثلاث وعشرين سنة مبشراً ومنذراً، وتحمل المتاعب الشديدة من الخوف والسب والإيذاء، وقد حوصر في الشعب هو وبنو هاشم نحو ثلاث سنين، يمنعون من دخول الأغذية إليهم، وجميع المحتاجات، وتحمل الجهاد الشديد، وأجمعت قريش على قتله، واختفى في الغار، ثم سار إلى المدينة مهاجراً، ثم لا زال في جهاد بقية عمره.

  فلما أسس قواعد الدين، وشيد بنيانه، وبلغ الرسالة قال لهم: اتركوا الواجبات، وافعلوا المحرمات، وأنا سوف أشفع لكم، فهدم ما بناه، وخرب ما شيد، ويصير عمله من أول الرسالة إلى آخرها هباءً منثوراً {كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً}⁣[النحل: ٩٢]، ومثل هذا لا يفعله كبير أسرة، فضلاً عن زعيم قوم، فكيف برسول رب العالمين؟!

  فإنْ كان فعلُه من تلقاء نفسه كان خائناً لله، والله لا يرسل إلا من علم صدقه، وأمانته كيف وقد شهد له الله بذلك بقوله: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ٣ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ٤}⁣[النجم]، {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ ٤٤ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ٤٥ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ٤٦}⁣[الحاقة]، وإنْ كان قاله بوحي من الله كان مخلاً بحكمة الله، وقد مر إثباتها بما لا مزيد عليه.

[الجواب على شفاعتي لأهل الكبائر]

  فإن قيل: قد رويت روايات: «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي».

  قيل له: في بعض الروايات: «ليست شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي»، والزيادة مقبولة من العدل، فلعل بعض الرواة نسي أول الحديث، أو تركه.

  أو أن النبي ÷ سئل: هل لأهل الكبائر التائبين شفاعة؟ فقال: «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي»، فأهمل الراوي السؤال، وإلا فهو كذب لمنافاة القرآن، والروايات التي مرت، والحكمة.