[بحث في الصغائر والكبائر]
  فالجواب: إما أن نقول: إن الحديث الأول غير صحيح لأن الصلوات إنما هي إسقاط لواجب، فكيف تسقط بها الخطايا، أو تكفرها.
  أو نقول: إن الصلوات تسقط المؤاخذة على الصغائر، ولا يسقط ما قد يحصل بسببها من نقص الدرجات، والحسنات، وأن الأمراض تسقطها، وتكفرها حتى لا يبقى لها أي تأثير في تنقيص الدرجات.
  فإن قيل: فيلزم إذاً المؤاخذة على الصغائر التي هي الخطأ إن لم تجتنب الكبائر.
  قيل له: نعم، ألا ترى أن الله لم يسقط المؤاخذة عليها في الدنيا كما في أُرُوش جنايات الخطأ والضمانة في جناية الخطأ، ويكون عقوبة لأجل فعل الكبيرة، وقد آخذ يونس بالخطأ، واعترف موسى بالمعصية وهي خطأ، وكذا آدم À وتابوا من الخطأ وسموه ظلماً فدل على أنه يصح المؤاخذة على الخطأ.
  وقال الله تعالى في يونس: {فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ ١٤٣ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ١٤٤}[الصافات]، بعدما قال: {فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ}[الأنبياء: ٨٧]، أي لا نؤاخذه، وهذا عين الخطأ، وقال في آدم: {وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الأعراف: ٢٣]، فجزم بالخسران، وهي - أي المعصية - خطأ.
  وقال في داود: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ}[ص: ٢٤]، وفي سليمان: {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ}[ص: ٣٤].
  والإنابة هي التوبة كما قال تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ}[الزمر: ٥٤].
  وقال في نوح: {إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ}[هود: ٤٧]، فحكم بالخسران وهو خطأ، ولم ينكر الله ما حكموا به على أنفسهم.
  فإن قيل: إن الأنبياء À عوتبوا على فعل الصغاير، فحكموا على أنفسهم
= والكفارات (ج ١/ص ٨٢) ضعيف الترغيب والترهيب - (ج ٢ / ص ١٩٨).