[بحث في اتفاق أسلافنا وأئمتنا الزيدية في أصول الدين]
  اختصاص كل ذات بما تتميز به عن سائر الذوات، كاختصاص الجسم بالتحيز، والعرض بعدم استقلاله بنفسه، وأنه لا بد له من شبح يحل فيه، وذات الباري تعالى بكونه واجب الوجود، مع أن الذين لا يقولون بالصفة الأخص يثبتون له هذه الصفة، وأنه مختص بها، فقد وافقوا الأولين في المعنى.
  هذا، وإن كانت صفات الله الذاتية كلها صفة أخص، إلا أن الأولى واضحة، وفي الباقيات غموض.
  وأما أنها اقتضت له الصفات الأربع فمعناه أن بينها وبين الصفات الأربع تلازماً، وهو معنى الاقتضاء، وقد يشكل عليهم اقتضاؤها في الصفة الوجودية؛ لأنها الصفة الأخص كما قدمنا، فكأنها صفةٌ خامسةٌ عندهم، وليس لهم عليها دليل، والذين ينفون الصفة الأخص يثبتون اقتضاء هذه الصفة للصفات الأخرى في المعنى، وكذا قول بعضهم: إن صفات الله أمور زائدة على ذاته.
  والبعض الآخر يقولون: صفاته ذاته، فالكل مجمعون على أن ليس لله آلة يعلم بها، أو يقدر بها، أو يصير بها حياً، أو غير ذلك من الأعراض،؛ لأنَّ الأعراض لا تحل إلا في جسم، فيلزم التشبيه.
  وإنما أراد الذين قالوا: صفات الله أمور زائدة على ذاته ثبوت القدرة، وثبوت العلم، والحياة، ونحوها، فالثبوت عندهم هو الصفة.
  والذين يقولون: صفات الله ذاته لا ينكرون ثبوت قدرة الله، وعلمه، وكذا سائرها، إلا أنهم لا يسمون الثبوت صفة، والصفة عندهم هي العرض، والعرض ممتنع على الله، والأولون لا يثبتونه كما مرّ، فالخلاف إذاً في مجرد الاصطلاح والتسمية كما أوضحنا.
  وأما قولهم: لا شيء ولا لا شيء، فإنما أرادوا أن الشيء هو الذات، والثبوت ليس بذات، لأن الذات الجسم والعرض، وذات الباري، والجوهر - عند من أثبته - فلا يقال فيه شيء، وليس بعدم حتى يقال: لا شيء، فليس فيه تناقض كما لا يخفى.