[بحث في اتفاق أسلافنا وأئمتنا الزيدية في أصول الدين]
  هذا وأما قولهم هم والمعتزلة: إن ذوات العالم ثابتة في الأزل ثابتة غير موجودة، وفي الأزل، لا في القدم، فإنما يريدون ثبوت الذاتية للذات.
  فالجسم مثلاً ذات يتعلق به نوعان: الحكم في نفس الأمر بذاتيته، والوجود.
  فالحكم في نفس الأمر، والواقع بذاتيته ثابت في الأزل، لا في الوجود فإنما يتعلق به متى وجد، والأزل يشمل الماضي، والحاضر، والمستقبل، وهو الدوام، بخلاف القدم، فهو وقت مخصوص له أول، وآخر، ويعبر به عن الذي لا أول له في اصطلاح المتكلمين.
  وإنما ألجأهم إلى ذلك أن الفلاسفة قالوا: لا يصح أن تتعلق القدرة، والعلم بالمعدوم، وإنما يتعلقان بالموجود، فيلزم أن تكون أصول العالم، أو العالم قديمة، لتتعلق القدرة، والعلم بهما، كالمماثلة، والمخالفة، فإن المماثلة لا تكون إلا بين شيئين، وكذا المخالفة.
  والقدرة والعلم كذلك، لا يكونان إلا بين قادر ومقدور، وعالم ومعلوم، وأن تعلق القدرة بالمعدوم محال، فأجابوا بأن ذوات العالم ثابتة في الأزل، ثابتة دائماً، فلم تتعلق القدرة، والعلم بالمعدوم، أو بالعدم، بل بالثبوت، أو بالثابت، فلا يلزم أن يكون العالم، أو أصوله موجودة في الأزل، هذا أقرب ما يحمل كلامهم عليه، وما يفهمه من تطلّع على مناقشتهم مع الفلاسفة.
  ويمكن أن يجاب على الجميع بأن القدرة لا تتعلق إلا بالمعدوم، لا بالثابت، ولا بالموجود.
  أما على كلام أصحابنا فإن القدرة تعلقت بإيجاد الذوات، والإيجاد معدوم، لا بثبوت الذاتية لها على فرض تسليم قولهم.
  وأما على الفلاسفة: فإن القدرة تعلقت بتكثير الذوات، أو بتغيير حالها من حال إلى حال، كتغيير الجماد إلى الحيوانية، والتغيير والتكثير معدومان.