القول السديد شرح منظومة هداية الرشيد،

الحسين بن يحيى بن محمد (المتوفى: 1435 هـ)

مقدمة

صفحة 19 - الجزء 1

  ومن العجب الذي تحار فيه الأفكار: أنَّ هذه الأمة تفرقت إلى فرقٍ شتى، وتدَّعي كلُّ فرقةٍ أنَّها على الحق، وصارت معجبَةً بما ذهبت إليه، وتضلل كلَّ فرقة تخالف ما ذهبت إليه، وتحاول الرد على مخالفيها بالمقاهرة، والمغالبة، والتعصب الذي لا يتبين به الحق من الضلال، بل وإذا غُلِبَتْ بالأدلة القاهرة لم يفيؤوا إلى الحق، ولم يتحولوا عن مبادئهم الضالة، يغالطون أنفسهم بأن خصماءهم عندهم قوة، وبصيرة في الجدل، والخصام، وَيُسَلُّون أنفسهم بهذا، كيف ولا يُعرفُ الحقُّ من الباطل إلاَّ بالبراهين، وكلُّ دعوى بدون حجةٍ، ولا برهانٍ فهي دعوى عاطلة، باطلة.

  وقد أرشدنا اللَّهُ ø إلى هذا، فيما شجر بيننا، بما قد أجمعت عليه الأمة، بأن على المدعي البينة، وعلى المنكر اليمين.

  والعجب والعتب من، وعلى علماء يدعون إلى الله ورسوله والدار الآخرة، ويعتقدون ألا نجاة لكل هذه الأمة إلا باتباع الحق، والانقياد له، ثم يتعصبون لمذاهبهم وآرائهم، وينسون هذا المقصد أو يتناسونه.

  وكان اللائق بجميع علماء هذه الأمة، وكل أرباب المذاهب التعاون على الحق على معرفته، والانقياد له، وعلى البحث والتفتيش عنه بجدٍّ، وإخلاص، وتفاهم، وتواضع، وأن يعرفوا، ويفهموا أنَّ المشكلة عامة للجميع، وأن هذه الداهية العظمى للجميع، وأن لا مخلص منها إلا باتِّباع الحق والاعتناق له، وليست طريقة التقارب في المذاهب طريقة مخلصة؛ لأنَّ القضية ليست قضية مالية حتى يمكن فيها التسامح، والمساهلة، وكل فريق ينقّص من مذهبه ما يحصل به التقارب؛ لأنَّ القضية قضية رب العالمين، وضع لنا دستوراً وقوانين ليس لنا أن نتعداها، وليس لنا أن نزيد، أو ننقص، أو نشدد، أو نسهل، فقد وضح لنا سبيلين: سبيلاً إلى الجنة، وسبيلاً إلى النار، فعلينا أن نعرف السبيلين؛ لنسلك سبيل الجنة، ونجانب السبيل الأخرى، ولا نكون كما قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ١٠٣ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا