مقدمة
  وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ١٠٤}[الكهف].
  وقد أرشدنا الله تعالى إلى هذا في فاتحة الكتاب التي نتلوها في كل صلاة بقوله: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ٦ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّآلِّينَ ٧}.
  فيا ليت الأمة كلها يَبعثون لهم هيئة من العلماء، الأذكياء، الأزكياء، الحلماء، المبتعدين عن الدنيا، واتِّباع الهوى، يتدارسون موضوع الآخرة، ويبحثون عن السبيل التي تقودهم إلى الجنة، وتصرفهم عن النار، بجدٍّ وإخلاصٍ، وتواضع وانقياد، وينظرون في كل المذاهب، إلى الإيجابيات والسلبيات، ويفرقون بين الدليل والشبهة، حتى تكون الأمة كلُّها على بصيرة، ويقين من أمرهم.
  فوالله الذي لا إله إلا هو إنا نكون على هذه الطريقة والشروط، ونعاهد الله تعالى على الإنصاف، والتواضع للحق، وترك التعصب، فليس بيننا وبين الحق عداوة.
  فوالله الذي لا إله إلاَّ هو إنا لو نعرف أن الحقَّ مع اليهود، أو النصارى، أو أيِّ فرقةٍ من فرق المسلمين لانقدنا له، واعتنقناه، وتواضعنا له؛ لأنَّا لا نريد إلاَّ طريق النجاة، ونعلم أنَّ الحقَّ طريقُ النجاة، وليس لنا عطاء من أحد على هذا المذهب، بل ونحب أن يكون الحق مع بعض المذاهب السهلة ونعتنقها، فلم نعتنق هذا المذهب الذي ذهبنا إليه رغبةً فيه، بل قهرتنا الأدلة اليقينية عليه.
  فإن قيل: فما السبيل إلى معرفة الحقِّ لمن يريده، ولا يمكن أن تكون المذاهب المتناقضة كلُّها حقاً؟
  قيل له: السبيل أن نرجع إلى كتاب الله ø، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وإلى الروايات التي أجمعت عليها الأمة.
  ولا يمكن أن نقول: إن الله تعالى تركنا في عَمًى ولَبْسٍ من أمرنا، وفي متاهات، حاشا الله تعالى أن يلزمنا باتِّباع الحق ولا يُبَيِّنُهُ لنا؛ لأنَّ هذا خلاف العدل والحكمة.