القول السديد شرح منظومة هداية الرشيد،

الحسين بن يحيى بن محمد (المتوفى: 1435 هـ)

مقدمة

صفحة 33 - الجزء 1

  أحبائك، وأنت تعلم أنَّ لهذا البلاء مدة ينتهي بانتهائها ولا يدوم.

  فاعلم أنَّ الخير الدائم الذي لا يُسْتطاع أن يُعرف مقداره والوصول إليه وهو محقق مضمون، والشر الدائم الذي بلغت شِدتُهُ غايات الغايات، أحقُّ بأن تَبحثَ عن السبيل التي توصلك إلى هذا الخير الكامل الدائم، وتصرف عنك هذا الشر الدائم، بكلِّ جدٍّ واهتمام.

  وأن تَبحثَ عن أهل المهارة والخبرة الكاملة، الأمناءِ الذين لا يغشونك ولا يخدعونك، الذين يوصلونك إلى معرفة هذا السبيل، وتبذل كلما يستطاع بذلُهُ.

  وتنظر إلى أن لك سمعاً، وبصراً، ولساناً، وعقلاً، وأيدياً، وأرجلاً.

  وتعرف أنك لست الذي أوجدت نفسك، ولا الذي أوجدت لها السمع، والبصر، والعقل، واللسان، وأن هذا صنعٌ عظيمٌ، لصانع، قادر، حكيم، بلغ الغاية في القدرة والإتقان، لو اجتمع الإنس والجن على أن يخلقوا مثله ما استطاعوا، وكذا الملائكة أيضاً، ولا أن يخلقوا جارحة من هذه الجوارح.

  ثم تنظر إلى ما خُلِقَ لك في هذه الدنيا من الأغذية، والفواكه، والمستلذات التي لا تستطيع أن تحصيها، {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}⁣[إبراهيم: ٣٤].

  فإذا عرفتَ هذا وتفكرت في الأمم الماضية التي عمرت الدور الشامخة، وحرثت، وجمعت الأموال، ثم أبادها، وأفناها، وأخرب دورَهَا، وأباد أموالَهَا، عرفتَ أنَّ هذا هو الذي بيده الخيرُ كلُّه، والشرُّ كلُّه، وأنَّه الذي لا يُغْلَبُ، ولا يُقْهَرُ، فإذا كنتَ تحبُّ الخيرَ، وتكرهُ الشرَّ، فأقبل إلى معرفة هذا الذي تُذهل العقولَ قدرتُهُ البالغة، التي لا يحاط بمقدارها.

  واعلم أنَّ الإعراضَ عنه، والجهلَ به - وقد أنعم عليك بالنعم التي لَفَتْنا نظرك إلى التفكر فيها - قبيحٌ، وعيبٌ كبير، وأنَّ النظر في معرفته واجبٌ يَقْبُحُ الإخلالُ به، تعرف هذا البهائم - فضلاً عن العقلاء - فإنَّها تُقْبِلُ إلى مَن أحسن