القول السديد شرح منظومة هداية الرشيد،

الحسين بن يحيى بن محمد (المتوفى: 1435 هـ)

مقدمة

صفحة 34 - الجزء 1

  إليها، وتعرفُه، وتَنفُرُ عن من أساء إليها وتُنْكِرُهُ، وكذا الأطفال.

  سيما إذا أرسل إلينا رسولاً جامعاً لخصال الكمال، وأيَّدَه بالمعجزات التي لا يُطيقها البشر، يدعونا إلى الخير العظيم، ويحذرنا من الشر الذي لا يشبهه شر، فإنَّ الإعراض عن النظر في دعوته في غاية القبح من جهتين:

  الجهة الأولى: الإعراض عن دعوة رسول هذا المنعم العظيم.

  الجهة الثانية: تعريض النفس للعذاب الشديد الدائم، فإنه في غاية القبح.

  فثبت بهذا وجوب النظر في دعوة هذا الرسول، فنؤمن بها إذا كان صادقاً، أو لا نؤمن بها إن كان كاذباً، فثبت بهذا وجوب النظر.

  وقد أنكر الأشاعرة وجوب شكر المنعم، ووجوب النظر العقليين، وشككوا فيهما، وسنوردها إن شاء الله بصورة الفنقلة، ونجيب عنها، ونحتج على وجوب الشكر الذي يوجب النظر.

  فنقول: لا شك أن بَيْنَ من أحسن إلى رجل، وتابع إليه الإحسان، ثم احتاج، أو طلب منه حاجة يسيرة، وبَيْنَ من طلبه تلك الحاجة، ولم يقع منه أي إحسان فرقاً جلياً؛ لأنَّ العقلاء يلومونه في الأول دون الثاني إن لم يقضها وهو مستطيع، وهذا معنى الوجوب العقلي، وهو استحقاق الذم، وإنكاره إنكار للضرورة.

  فإن قيل: إنما يجب مع الطلب، فمجموع الأمرين يوجب الشكر.

  قيل له: الطلب ليس له أي تأثير، وإنما التأثير للنعمة كالدَّين، والوديعة مع أنه قد طلب بإرسال الرسل وإنزال الكتب.

  ألا ترى أن من طلب - وليس له أي هذه ونحوها مما يوجب لصاحبها حقاً - لم يثبت له أي شيء، فالنعمة هي التي أوجبت لصاحبها حق الطلب، ولا يسقط الحق بتركه كالدَّين سواءً سواء، غاية الأمر أنه يتضيق بالطلب.

  فإن قيل: لا يجب النظر إلا إذا علمنا أن ما وصل إلينا من المنافع نعمة، وهو يحتمل الاستدراج، ولا نعرف أنها نعمة إلا إذا عرفنا الله، وأنه عدل حكيم غني،