القول السديد شرح منظومة هداية الرشيد،

الحسين بن يحيى بن محمد (المتوفى: 1435 هـ)

مقدمة

صفحة 35 - الجزء 1

  ولا نعرف هذا إلا بالنظر، فيلزم الدَّوْر.

  قيل له: يلزم النظر مطلقاً، لنعرف هل هي نعمة؟ فنؤدي ما يجب علينا من الشكر، أم استدراج؟ فنكون مطمئنين من ترك الشكر؛ لأنَّه لم يجب فنؤديه. وهذا على فرض تسليم الاحتمال؛ لأنَّ الاستدراج إنما يفعله الضعيف العاجز من إيصال ما ظاهره الخير والنعمة إلى من يريد أن يضره به كما يفعله الصياد من وضع الطعام في الشبكة، وما يفعله العدو لعدوه من تقريبه له الطعام الشهي، وقد وضع فيه السم.

  ولا يحتاج إلى هذه الحيلة الضعيفة خالق الكون، وكيف لا ينال غرضاً منَّا، وقد خلقنا، وأَمْرُنا تحت إرادته وتصرفه، حياتنا، وموتنا، وسمعنا، وبصرنا، وعقولنا، وظاهرنا، وباطننا، وطعامنا، وشرابنا، وجميع أحوالنا، كيف لا ينال غرضاً حقيراً إلا بهذه الحيلة الضعيفة التي تدل على العجز، وتنافي القدرة، والحكمة؟!

  وكلما يُقَدَّر من الأغراض التي قد تحصل له منا لا يساوي عشر معشار ما أوصله إلينا من النعم، دع عنك خلقنا، وما يشتمل عليه كل واحد منا من النعم التي لا يساويها العالم ألف مرة من السمع، والبصر، والأيدي، والأرجل، واللسان، والعقل، وغيرها، ويلزم من الاستدراج الحاجة؛ لأنَّ الأغراض الحِكْمِيَّة ممتنعة معه، وما أشبه هذا الاستدراج بمن له شجرة عند داره فيها ثمر ضعيف يناله من داره بأسهل الوسائل، ثم بنى داراً عظمى عندها لينال تلك الثمرة، وما يحصل من الثمر لا يساوي عشر معشار ما ينفق في أساس تلك الدار فضلاً عما ينفقه في بنيانها، وإن كانت نعم الله لا تقدر بمقدار، مع أن الواقع قد كشف لنا أنه لم يحصل من الله أي استدراج لا في أنفسنا، ولا في من قد عرفنا ممن قد انقضت حياتهم، وانتهت مُدَّتهم، ولا قد سمعنا به، ولا حُكِيَ لنا فيمن مضى قبلنا، وقد كشف لنا التاريخ كثيراً من حيل الملوك، والرؤساء واستدراجاتهم،