القول السديد شرح منظومة هداية الرشيد،

الحسين بن يحيى بن محمد (المتوفى: 1435 هـ)

[ودليل آخر على حدوث الأجسام]

صفحة 41 - الجزء 1

  بيان التلازم: أن الجسم إذا جازت عليه الحركة جاز عليه السكون، ومن جازت عليه الحركة فلا يجوز أن يخلو عنها، أو عن نقيضها، وهو السكون، فإذا كان ملازماً لأحدهما وهما محدَثان لزم أن يكون محدَثاً مثلهما؛ لأنَّ ما لازم الْمُحْدَثَ مُحْدَثٌ مثله، وإلاَّ انتفى التلازم.

  فثبت حدوث الأجسام، والأعراض؛ لأنَّهما متلازمان، وأنَّ لهما صانعاً، مختاراً؛ لأنَّ الدليل قد أوجب الاختيار، ولا يكون الاختيار لعلة غيرِ حيةٍ، ولا قادرة.

  ودليل آخر على حدوث الأجسام: أنَّ الأجسامَ مُلازِمَةٌ لإمْكانِ الزيادةِ والنقصان، والإمكان ملازم لها، وكذا الجمع والتفريق.

  بيان ذلك: أنَّ الجسم إذا كان طوله خمسين ذراعاً، فإنَّه يجوز أن ينقص منه عشرة، فيصير أربعين، وأن يزداد عشرة، فيصير ستين.

  وأمَّا الجمع، فإنَّه من الْمُمْكِنِ أن تضم حجراً على حجر، فتصير داراً، وأن تهدمها وتفرق أحجارها، وهذا نفسه عين الزيادة والنقصان.

  ومعنى الإمكان: أنَّه ليس بمحال.

  يبين ذلك ويزيده توضيحاً: أنَّ الأجسامَ بعضُهَا كبيرٌ، وبعضُهَا صغيرٌ، وبعضُها متوسط، فالكبيرُ زائدٌ، والصغيرُ ناقص، والمتوسطُ أنقص من الكبير، وزائد على الصغير، فقد حصلت الزيادة والنقصان في المتوسط، والزيادة في الكبير، والنقصان في الصغير.

  ومعنى الإمكان: أنَّ الجسمَ قابلٌ لها، لا ينفكُّ عن قَبولها، فلو كان لا يمكن ولا يجوز، لزم أن تكونَ الأجسامُ كلُّهَا على مقاسٍ واحد.

  فثبت أنَّ الأجسامَ ملازمةٌ لجواز الزيادةِ والنقصانِ، والجمعِ والتفريق، والزيادةُ والنقصانُ والجمعُ والتفريقُ مُحْدَثَاتٌ، وما لازم الْمُحْدَثَ فهو مُحْدَثٌ مثله.

[ودليل آخر على حدوث الأجسام]

  وهو أن نقول: إنَّ الأشياءَ لا يَخلو كلُّ واحدٍ منها: إمَّا أن يكون جائزَ الوجود، أو واجبَ الوجود.