القول السديد شرح منظومة هداية الرشيد،

الحسين بن يحيى بن محمد (المتوفى: 1435 هـ)

[ودليل آخر على حدوث الأجسام]

صفحة 42 - الجزء 1

  ومعنى جائز الوجود: أنَّه يجوز عليه العدم والوجود، ولا ينفكّ عن هذه الصفة.

  ومعنى واجب الوجود: أنَّ الوجود لا يَنفكُّ عنه، لا في الماضي، ولا في المستقبل، ولا في الحال، ولا يَجوزُ عليه العدم بحال من الأحوال، ولا يَثبت لذات أنها جائزة الوجود، أو واجبة الوجود إلاَّ ببرهان.

  أمَّا الأجسام فقد دللنا فيما مضى أنهَّا مُحْدَثَةٌ، والْمُحْدَثَةُ جائزة الوجود، وكذا الأعراض؛ لأنَّها صفات الأجسام، فإذا ثبت حدوث الأجسام ثبت حدوثها.

  ونزيده وضوحاً: أنَّ الجسم إذا كان طوله مثلاً عشرين ذراعاً، فكان يجوز أن يكون عشرة أذرع، فإذا جاز فقد جاز على نصفه العدم، وإذا جاز على النصف جاز على الكل؛ لأنَّه يجوز أن يكون النقص أي نقص النصف من أسفله، ويجوز أن يكون من أعلاه، فإذا جاز النقص - وهو العدم - على الجهتين فقد جاز على الكل، فإذا جاز العدم عليه؛ فوجوده جائز لا واجب، فإذا كان جائزاً فلا يصح ولا يمكن خروجه من العدم إلى الوجود إلاَّ باختيار مختار، فاحتاج إلى صانع.

  والصانع لا يَخلو إمَّا أن يكون جائزَ الوجود، أو واجبَهُ.

  إن كان جائزَهُ، احتاج إلى صانع، ولزم إمَّا التسلسل، أو التحكم، وكلاهما محال.

  والتحكم: أن نقتصر على عدد من الصانعين بدون برهان، فنقول مثلاً: الرابع، أو الخامس، أو نحو ذلك واجب الوجود، فهذه دعوى باطلة، وتخصيص بدون مخصص، وترجيح بدون مرجح.

  والتسلسل: ألا نصل إلى نهاية، ووجود العالَمِ يستلزم النهاية، فيلزم أن تكون الآلهة منتهية وغير منتهية، وهذا تناقض وهو محال، وهذا هو المحال الذي لزم بالتسلسل.

  ولم يدل الدليل إلاَّ على صانعٍ واحدٍ فيجب الاقتصار عليه، وأنَّه واجب الوجود.