[المسألة الثانية نفي التشبيه]
[المسألة الثانية نفي التشبيه]
  فتَحَصَّل من هذا أنَّ الذوات ثلاث: الأجسام والأعراض ذاتان، وهما مُحْدَثتان.
  فالجسم: الذي يشغل المكان طولاً، وعرضاً، وعمقاً.
  والعَرَضُ: الذي لا يستقل بنفسه، ولا بد له من جسم يحل فيه؛ لأنَّه صفته.
  وقد دللنا على حدوث الأجسام، فيلزم حدوث الأعراض؛ لأنَّها صفاتها، ولا تستقل بنفسها، ولا يمكن صفة بدون موصوف، كالألوان، والصلابة، والرخاوة، والرطوبة، واليبوسة، مع أن هذه تَعْدَمُ بوجودِ أضدادها.
  وأمَّا الحركة والسكون، والشهوة، والنفرة، والمحبة، والكراهة، والإرادة، والظنونات، والوهومات، والعلم، واللذة، والألم والسرور، والهم، والغم، ونحوها فحدوثها ضروري، وهما جائزتا الوجود؛ لأنَّ الوجود قد تخلف عنهما قبل وجودهما.
  والذات الثالثة: ذات الصانع، وهي واجبة الوجود، فلا يصح أن يتخلف عنها الوجود لا في الماضي، ولا في المستقبل، فهو الأول الذي ليس لأَوَّلِيَّتِهِ أوَّل، والآخر الذي ليس لآخريته آخر، ولا يُشابه المخلوقات؛ لأنَّه لو شابهها كان مُحْدَثاً مثلها.
  فلا يصح أن يكون في مكان؛ لأنَّه يكون مُقَدَّراً، ولا يمكن أن يكون على مقدار دون مقدار، إلاَّ باختيار مختار، كما قدمنا.
  ولا أن يكون له وجه، أو يد، أو عين، أو أي جارحة حقيقة؛ لأنَّها تكون مُقَدَّرَةً مُكَيَّفَةً.
  ولا يجوز أن تكون على مقدار دون مقدار، وهو يجوز عليها مقادير كثيرة، ولا كيفية دون كيفية إلاَّ باختيار مختار، فيمكن أن تكون العين صغيرة، وكبيرة، ومتوسطة، وعلى مقادير كثيرة، وأن يكون لونُها أسود، أو أخضر، أو أزرق، ولا يمكن أن تكون على لون دون لون، ولا على مقدار دون مقدار إلاَّ باختيار مختار.