القول السديد شرح منظومة هداية الرشيد،

الحسين بن يحيى بن محمد (المتوفى: 1435 هـ)

[المسألة الثانية نفي التشبيه]

صفحة 44 - الجزء 1

  وكذا الوجه واليدان، لا يمكن أن يكون الواحد منها على مقدار دون مقدار، ولا لون دون لون، وهو يمكن العكس، أو الضد إلاَّ باختيار مختار، فيلزم إذاً أن يكون مخلوقاً ضعيفاً، يتحكم فيه خالقه.

  فإن قيل: فإنه قد ورد في القرآن أن له وجهاً وعيناً ويداً وجنباً ونحو ذلك.

  قيل له: القرآن عربي، وفي لغة العرب الحقيقة والمجاز، فإن حملناه على حقيقته؛ فهو عين التشبيه، وصار هذا يتناقض مع قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}⁣[الشورى: ١١]، ومع حجج العقول كما قدمنا، وإن حملناه على المجاز لم يحصل التعارض والتناقض، وهو الذي نريد، ويوافق قوله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً}⁣[النساء: ٨٢]، وسيأتي لهذا مزيد بحث إن شاء الله تعالى.

  هذا ولما كنا قد بينا أنه تعالى ليس بجسم، فلا يصح أن نثبت له صفةً من صفات الأجسام، وهي الأعراض المحدثة؛ لأنها تستلزم الحدوث، فلا نصفه بلون ولا حرارة، أو برودة، أو صلابة، أو رخاوة، أو شهوة، أو نفرة، أو ألم، أو سرور، أو حركة، أو سكون؛ لأنَّه إذا جازت عليه صفة من هذه الصفات جاز عليه ضدها، ولا مخصص لإحداهما من الأخرى إلا الصانع المختار، فيحتاج إلى صانع، ولزم حدوثه.

  ولأنه يلزم أن يكون جسماً؛ لأنَّها لا تحل إلا في جسم.

  ولأن الحركة والسكون محدثتان، فإذا جازت عليه الحركة جاز عليه السكون، ومن جازت عليه الحركة فلا يجوز أن يخلو عنها أو عن نقيضها، وهو السكون، وهما محدثان، فإذا كان ملازماً لأحدهما وهما محدثان لزم أن يكون محدثاً مثلهما.

  فإذا ثبت هذا فلا يصح أن يقال: إن الله يصعد، أو ينزل، أو ينتقل من مكانٍ إلى مكان، أو أنه في مكان؛ لأنَّ اللُبث في مكان سكون، والانتقال حركة، فلا بد له إذاً من أحدهما، فيكون ملازماً له لا انفكاك له عنه؛ لأنَّه لا يعقل من جاز عليه السكون والحركة أن ينفك عنهما، بل لا بد له من أحدهما، وهما محدثان كما سبق، فيلزم حدوثه، مع أن كل محدود لا يعقل إلا متحركاً أو ساكناً.