القول السديد شرح منظومة هداية الرشيد،

الحسين بن يحيى بن محمد (المتوفى: 1435 هـ)

[المسألة الثانية نفي التشبيه]

صفحة 45 - الجزء 1

  ولا يمكن أن يشابهه شيء من المخلوقين في صفاته، ولا يشابههم في صفاتهم؛ لأنَّه لو شابههم للزم أن يكون مخلوقاً، ضعيفاً، عاجزاً، محتاجاً، فيَنْزل من مرتبة الإلهية، التي حاز بها غايات صفات الكمال، إلى مرتبة العبودية الضعيفة.

  فكيف نَصِفُه بصفةٍ لا يقدر معها على خلق خردلة؟! وهو القادر على خلق كل شيءٍ، ولا يعلم معها إلاَّ أشياءَ محدودة، وهو عالِم الغيب؛ لأنَّ صفات المخلوقين يلزم منها الحدوث، فيلزم ما ذكرنا، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: {يَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً ٩٠ أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً ٩١ وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً ٩٢}⁣[مريم]؛ لأنَّه يلزم منه ما ذكرنا.

  وأما أنه لا يشابهه أحد في صفاته؛ فلأنَّ الواقع المشاهَد عدم المشابهة، وليس أحدٌ يدّعي ذلك، فليس أحدٌ يدّعي أنّه يعلم الغيب، ولا أنَّه يقدر على كل شيء، ولا أنّه لا تخفى عليه المسموعات، والْمُبْصَرَات، ولا أنَّه قديمٌ لا أول له، بل ذلك معلوم ضرورة.

  وأمَّا أنَّه لا ندَّ له ولا شريك، - أي المذكورة في الأبيات - فلأنَّه لو كان له شريك لأتتنا رسلُهُ، وكتبُهُ.

  ولأنَّه لم يقم برهانٌ إلاَّ على صانع واحد، ولا يُمكن إثبات صانعين، أو ثلاثة، أو أربعة، أو عشرة، ولا أقل، ولا أكثر إلاَّ ببرهان، ولم يقم دليل إلاَّ على واحد، وهذا كاف في إبطال دعوى من يدعي وجود الشريك، وبه يثبت التوحيد.

  وأما الدليل على امتناع الشريك، وعدم إمكانه: فلأنَّه لو فُرِضَ إمكان اثنين، أو أكثر، فلأنه يلزم انفصال كل واحد منهما عن الآخر، والانفصال يلزم منه أن يكونا محدودين، وقد أثبتنا فيما مضى أن كل محدود محدَث بما لا مزيد عليه، فتبطل إلاهيّتهما إذاً، وبهذا تعرف أنه لا يمكن القدم إلا لذات واحدة.

  ولأنَّه لَم يدّعها أحدٌ إلاَّ فرعون، والنمرود، والمشركون، وكذا دقيانوس، وغيرهم، وهم أجسام وأعراض محدودة مُكَيَّفَةٌ، وقد أوضحنا أنَّ كل ما كان كذلك فهو مُحْدَثٌ، وقد ماتوا وذهبوا.