القول السديد شرح منظومة هداية الرشيد،

الحسين بن يحيى بن محمد (المتوفى: 1435 هـ)

[الرد على من جعل سميعا بصيرا بمعنى حي لا آفة به]

صفحة 54 - الجزء 1

[الرد على من جعل سميعاً بصيراً بمعنى حي لا آفة به]

  هذا، وأما استدلال بعض المتأخرين من أصحابنا، والمعتزلة على كونه سميعاً بصيراً بكونه حياً لا آفة به فلم ينتهِضْ؛ لأنَّه لا ينتقل الذهن من كونه حياً لا آفة به إلى كونه سمعياً بصيراً، وإنما هو اتفاقي، كقولنا: العالم بسيط، وكل بسيط حادث، ولأن الدليل على كونه حياً علمه بالمدركات المسموعات، والمبصرات، والمطعومات، والمشمومات، والملموسات، وقدرته عليها فيلزم الدور؛ لأنَّ علمه بالمسموعات، والمبصرات يدل على كونه حياً، وكونه حياً لا آفة به يدل على كونه سمعياً بصيراً.

  وأيضاً فقد يَؤُول احتجاجهم بكونه حياًّ لا آفة به على أنه سميع بصير إلى الاحتجاج بنفس الدعوى وهو ما يسمى مصادرة وهي: الاحتجاج على الدعوى بنفسها.

  بيان ذلك: أن كل من في أذنيه أو عينيه آفة غير الصمم والعمى فهو سميع بصير، وليست الآفة التي يمتنع معها كونه سميعاً بصيراً إلاَّ العمى والصمم، فيصير المعنى: وكلُّ حيٍّ ليس بأعمى ولا أصم فهو السميع البصير، فكأنهم قالوا: والدليل على كونه سميعاً بصيراً كونه حيًّا سميعاً بصيراً، وكل من كان حيًّا سميعاً بصيراً فهو سميع بصير.

  والذي يظهر أن الذي يدل على كونه مُدْرِكاً للمدرَكات التي تُدرَك بالحواس الخمس خلقه لها متنوعات تنوعاً كثيراً، وخلقه لنا الآلات التي ندركها بها ونميز بين مختلفاتها بها، وإدراكه لها علمه بها؛ لأنَّ الإحساس ممتنع عليه.

  هذا، وإدراكه للمحسوسات، والملموسات، والمطعومات، والمشمومات كلها بمعنى العلم، ويقال له: مُدْرِكٌ حقيقة؛ لأنَّ من يعلم المدرَكات يقال له: مُدْرِكٌ حقيقة، ويقال له: سميع بصير مجازاً، ولا يطلق عليه لامس، ولا طاعم، ولا شامّ؛ لأنَّه لا يصح أن يطلق عليه من المجاز إلا ما أطلقه على نفسه،