[الدليل على إحاطة علم الله وقدرته وإدراكه]
  أمَّا الدليل على إحاطته بجميع المقدورات، وأنَّ إدراكَهُ محيطٌ بجميع المدركات، فنريد الآن أن نوضح الأدلة عليها كلها، وقد أوضحنا الأدلة على أنَّه عالم سميع بصير قادرٌ.
  هذا، والقادر العالم السميع البصير لا يكون إلا حياً، فالحياة ملازمة لهذه الصفات، تنتفي بانتفائها، وتثبت بثبوتها. وهذا واضح لا يحتاج إلى زيادة تفصيل.
[الدليل على إحاطة علم الله وقدرته وإدراكه]
  ونريد الآن أن نشرح الأدلة على الإحاطة. فنقول: لَمَّا كان الله سبحانه وتعالى يُدرِك المدركات كلَّها، المعلومات، والمبصرات، والمسموعات، والملموسات، والمطعومات، والمشمومات، ويَقدر على خلق المخلوقات بدون آلة مجعولة، مخلوقة حتى يتحكم فيها خالقُها مثلنا، فإنَّ الله سبحانه وتعالى خلق لنا آلاتٍ لهذه الأشياء، وجعلها لأشياء محدودة، لا نستطيع أن نتعداها، وجعل لبعضٍ زيادة على حسب ما تقتضيه الحكمة والمصلحة.
  أمَّا الله سبحانه فليس له آلة مخلوقة، بل هذه صفات ذاتية، لا تتخلف عنه، بل من شأنه العلم وإدراك المدركات، والقدرة على الممكنات، لا تتخلف عنه، ولا يتخلف عنها؛ لأنَّ إدراكه لبعضٍ دون بعضٍ تحكمٌ، وتخصيص بدون مخصص، فلا بد أن يُدْركها كلَّها، أو يَجهلَها كلَّها. وكذا القدرة مثلها.
  ولو تخلفت عنه في حال من الأحوال لزم أن يكون جاهلاً وعاجزًا.
  وقد دلَّ الدليل على أنَّه قادر، عالِمٌ، سميع، بصيرٌ، وبقية المدرَكات داخلة تحت العلم، فهي كلُّها بمعنى عالِم، لكن بعلمه بالمبصرات، والمسموعات يسمَّى سميعًا بصيرًا، وبعلمه بها وبالمطعومات، والمشمومات، والملموسات، وسائر المحسوسات يُسمَّى مُدْرِكًا.
  والدليل على علمه بسائر المدرَكات: أنَّه خلق المطعومات أنواعًا مختلفةً، ونوَّع كلَّ نوعٍ أنواعًا، فالحلويات مختلفةٌ اختلافًا شاسعًا، فللعسلِ ذوقٌ، وللسكر ذوق، وللتمر ذوق، وللعنب ذوق، وهي مختلفة أيضًا فيما بينها.