القول السديد شرح منظومة هداية الرشيد،

الحسين بن يحيى بن محمد (المتوفى: 1435 هـ)

[الدليل على إحاطة علم الله وقدرته وإدراكه]

صفحة 57 - الجزء 1

  والمشمومات مختلفة، الطيبات والمنتنات، وكذا الملموسات، فهذا حارٌّ، وهذا بارد، وهذا خشنٌ، وهذا أملسٌ، فلو لَم يكن يعلمها لَم يَقدر أن يخالف بينها، وقد أشرنا أنَّ للجسم صفة ذاتية، وهو أنَّه يشغل المكان، وله مقادير، طول وعرض وعمق، ولا يمكن وجود جسم متخلفًا عن هذه الصفات.

  والعرض لا يستقل بنفسه، ولا بد له من جسم يحل فيه، ولا يمكن وجود عرضٍ مستقلاً بنفسه؛ لأنَّ الأعراض صفات الأجسام، فهذه صفات الأجسام والأعراض الذاتية، ولا يمكن التخلف عنها؛ لأنَّه من تقليب الحقائق وتعكيسها، كما لا يمكن أن يكون العدم وجودًا، والوجود عدمًا.

  وليس المراد أنَّه لا يمكن إعدام الموجود، وإيجاد المعدوم، بل المراد: أنَّه لا يُمكن أن يكون العدم نفسه وجودًا، والوجودُ عدمًا؛ لأنَّه من تقليب الحقائق.

  وكذا ليس المراد أنَّه لا يمكن إعدام الجسم، وإعدام العرض، بل المراد: أنَّه لا يصح وجود عرضٍ مستقلاً في غير جسم، ولا جسم غير طويل، ولا عريض ولا عميق؛ لأنَّه من تقليب الحقائق وتعكيسها.

  فلما أوضحنا أن العلم من شأن الله تعالى، ومن حقيقته، فلا يصح أن يتخلف عنه في حال من الأحوال؛ لأنَّه لو تخلف عنه فقد جهل في ذلك الوقت، أو في تلك القضية، وإذا صح هذا أصبح أنَّ العلم ليس من شأنه، ومن حقيقته، ولا يصح هذا إلاَّ لو كان له علم بجعل جاعلٍ، حتى يجعلَهُ يعلمُ أشياء، ويجهل أشياء.

  وهكذا سائر صفات الله تعالى الذاتية، وهي الوجود، والقدرة، والعلم، والإدراك، لكلِّ المدرَكات، والحياة؛ لأنَّه لا يكون قادرًا عالِمًا إلاَّ وهو حيٌّ، وكذا غنيٌّ، وسيأتي إن شاء الله تعالى الدليل على أنَّه غنيٌّ.

  فثبت بهذا أنَّ الله تعالى قادر على جميع أنواع المقدورات، عالمٌ بجميع المعلومات، مبصر لجميع المبصرات، سميع بجميع المسموعات، وما أرادوا بها، وما قصدوا؛ لأنَّها من المعلومات، ومُدرك لجميع أنواع المدرَكات، موجود دائمًا، غنيٌّ، وأن هذه الصفات لا تتخلف عنه في حالٍ من الأحوال.