القول السديد شرح منظومة هداية الرشيد،

الحسين بن يحيى بن محمد (المتوفى: 1435 هـ)

[الاشتراك في التسمية لا يوجب التشبيه]

صفحة 62 - الجزء 1

  فلما ثبت لنا أنه قادر، عالم لصنعه الفعل المحكم لزم أن يشمل علمه جميع المعلومات، وقدرته جميع الممكنات، ولا تتعلق قدرته بغير الممكن؛ لأنَّه يصير غير الممكن ممكناً، وهذا تناقض.

  إذا عرفت هذا - عرفت أن ليس بين صفاتنا وصفاته اتفاق إلا في الاسم فقط، وهو لا يلزم منه التشبيه، فلم نشابهه في صفاته صفات الكمال حتى يثبت لنا ما ثبت له ولم يشابهنا في صفاتنا صفات النقص حتى يلزم الحدوث بخلاف قولهم: جسم.

  وجواب آخر على هذا الإشكال كنت قد أجبت به في موضع آخر: أنا نقول: لا شك أن قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}⁣[الشورى: ١١]، آية صريحة دالة على أن الله سبحانه لا يشبه شيئاً من مخلوقاته، ولا يشبهه شيء منها.

  واعلم أن المشابهة إنما تقع بالاشتراك بين الذاتين، أو الذوات في صفة من الصفات به يحصل التماثل، والتشابه، كاشتراك الأسد والرجل الشجاع في الجرأة والشجاعة، أما الاشتراك في الذات نفسها فلا يصح؛ لأنَّه يؤدي إلى أن تكون الذوات ذاتاً واحدة، وهذا عين التناقض؛ لأنَّ المفروض أنها ذوات متعددة.

  بلى قد يكون الاشتراك في الذاتية، وهي الأمر الجامع الذي تصير الذوات بسبب الاشتراك فيه جنساً واحداً، أو نوعاً واحداً، كاشتراك الأجسام في الجسمية أي في حقيقة الجسم وهي: الطويل العريض العميق الذي يشغل المكان، فكلما كان كذلك فهو جسم، واشتراك الأعراض في العرضية وهي: كل شيء لا يستقل بنفسه، ولا بد له من جسم يحل فيه كالحرارة والبرودة، والحركة والسكون، ونحو ذلك، فإن هذه لا تستقل بأنفسها، ولا يمكن أن تكون إلا في جسم، وكذا سائر الأعراض، وعلى الجملة فالأعراض هي صفات الأجسام.

  إذا تقرر هذا فلم يحصل بين الله سبحانه، وبين سائر الذوات أيّ اشتراك لا في الذات لما سبق، ولا في الذاتية؛ لأنَّ الله سبحانه ليس بجسم ولا عرض، ولم يقع