[كلام حول الصفة الأخص]
  وأما صفات الله الأخرى التي هي العلم، والحياة، والقدرة، وصفة مُدْرِك، فهي وإن كانت مختصة به لا يشاركه فيها مشارك، لكن كونها واجبة ذاتية لا تنفك عنه هو الفارق بينها وبين صفات المحدَثين؛ لأنها جائزة الوجود، تحصل تارة، وتنفك أخرى، وتعدم أيضاً، وصفات المحدَثين أعراض، فهي ذوات، وصفات الله أحكام، وتعبير، فلكونه لا تخفى عليه المعلومات، والمسموعات، والمبصرات، والمطعومات، والمشمومات، والملموسات، نعبر عنها بعالم، وسميع، وبصير، ومدرك، ولكونه لا يعجزه شيء بقادر، ولكونه لا يتصف بهذه الصفات إلا الحي أثبتنا له صفة حي، لكنه عالم بغير علم، بصير سميع بغير سمع وبصر، مُدْرِك للمدركات بغير الحواس، حي بغير حياة، وقادر بغير قدرة.
  هذا ولا نقول: إن الصفة الأخص اقتضت له الصفات الأربع، كيف ومنها الصفة الوجودية، والصفة الأخص واجب الوجود، ولا يصح أن صفة الوجود تقتضي صفة الوجود.
  أما البهشمية فكأن الصفة الأخص عندهم غير ما ذكرنا، بل هي صفة خامسة بغير دليل يدل عليها، ولم يبينوا ما هي بل مجرد الصفة الأخص، وما أظنهم يعرفون ما هي، بل ما يعرفون إلا مجرد هذا الاسم، وكأنهم يعتقدون أن الصفات الأربع يشترك فيها الله وغيره، وقد أوضحنا هنا، وفي موضع آخر أيضاً أن ليس بينها وبينه في الصفات ثَمَّ اشتراك إلا في الاسم، فلا يلزم التشبيه، ولا المحذور الذي يلزم من التشبيه.
  وقد اخترنا أن الصفة الأخص هي: واجب الوجود؛ لكونها الفارقة بين ذات الله، وبين الذوات المحدثة.
  وأما سائر الصفات الذاتية التي لا تنفك عنه، وإن كانت من مختصاته، فإنما هي فارقة بينها وبين صفات المخلوقين التي اشتركت هي وإياها في الاسم، ولكل واحدة منها حقيقة تفارق الأخرى.