[الجواب على ما يقال إن العدلية معطلة]
  بيانه: أن علم الله صفة ذاتية لا يصح تخلفها عنه في أي حال من الأحوال، ولا أن ينسى ما قد علمه، ولا يصح أن يجهل شيئاً من المعلومات لا في الحال، ولا في الماضي، ولا في المستقبل، فهو يعلم المعلومات الحاضرة، والماضية، والمستقبلة، ويستمر العلم، فهو مثل واجب الوجود، سواءً سواء؛ لأنَّه لا يعلم بآلة مجعولة حتى يخصصها جاعلها فيما أراد، بل العلم من شأنه، ومن حقيقته، فلا بد من أن يعلم المعلومات كلها، أو يجهلها كلها؛ لأنَّ علمه بمعلوم دون معلوم، وفي وقت دون وقت تحكم، وتخصيص بدون مخصص، وكذا سائر الصفات الذاتية، بخلاف علم المخلوقين فإنه بآلة، يعلم أشياء محدودة، وفي وقت دون وقت؛ لأنَّه يعلم بآلة مجعولة خصصها خالقها وجاعلها في معلومات قليلة محدودة، تزداد في وقت، وتنقص، وتعدم في أوقات أخر، فلا تحكم فيها، وكذا سائر الصفات.
  هذا وقد ألزم أصحابنا الصفاتية الذين جعلوا صفات الله معاني قديمة أن يثبت لها ما يثبت لله من صفات الإلهية؛ إذ لا فرق بين قديم، وقديم، فإن أراد البهشمية بالاقتضاء مثل هذا، أو نفسه، يعني أن بين القديم وبين صفاته تلازم كالتلازم الذي بين الجسم والتحيز فلا يمكن وجود قديم غير متصف بهذه الصفات، كما لا يمكن وجود جسم غير متحيز فكقولنا، إلا أنهم جعلوا الصفة الوجودية إحدى الصفات المقتضاة وقد أبطلنا هذا فيما سبق، وإن أرادوا أن الصفة هي التي أثرت في صفاته فغلط غاية الغلط، وأصبح وجود الباري بعلة؛ لأنَّ صفة الوجودية إحدى الصفات التي اقتضتها الصفة الأخص عندهم.
[الجواب على ما يقال إن العدلية معطّلة]
  فإن قيل: فإذا كنتم قد نفيتم أن يكون الله في مكان، وأن يُرى، وأن يكون محدوداً، ونفيتم أن يكون عالماً بعلم قديم، وقادراً بقدرة قديمة، وحياً بحياة قديمة، وسميعاً وبصيراً بسمع وبصر قديمين، وأن له كلاماً قديماً، فقد عطلتم الله، وأبطلتموه؛ لأنَّ هذا شيء لا يعقل.