القول السديد شرح منظومة هداية الرشيد،

الحسين بن يحيى بن محمد (المتوفى: 1435 هـ)

[الجواب على ما يقال إن العدلية معطلة]

صفحة 72 - الجزء 1

  والجواب: أنا لم نعطله، ولم نبطله، وإنما نفينا أن يشابه شيئاً من مخلوقاته، وقد دللنا على امتناع التشبيه عقلاً وسمعاً.

  وأما أنه لا يعقل فإن أريد أنه لا يتصور فالحق أنه لا يُتَصور، ولا يلزم التعطيل، وإنما تُتَصور الأجسام والأعراض، وكيف يحاول الإنسان الضعيف أن يتصور ربه؟! وهو لا يعرف الروح التي اشتمل عليها بدنه، وبها استقامت حياته، ولا يقدر أن يتصورها، ولم يلزم التعطيل: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}⁣[الإسراء: ٨٥]، مع أنَّا وأنتم نحكم بأن الله خالق المكان، وقبل المكان لقوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}⁣[الرعد: ١٦]، فإذا لم يكن لله مكان قبل خلق المكان، فلم يكن محدوداً، فكيف احتاج إلى المكان؟ ولم يكن محتاجاً قبل، ولم يلزم التعطيل إلا أن تثبتوا لله مكاناً قديماً، وتحكموا بقدم عرش حقيقي، وكرسي حقيقي له، فهذا عين التشبيه، ويلزم منه التثليث كمذهب النصارى، فإن أثبتم مع هذا قدرة، وعلماً، وحياة، وسمعاً، وبصراً أعراضاً قديمة، وحكمتم بأن كلام الله قديم، فقد أثبتم مثل النصارى ثلاث مرات، لأنكم أثبتم تسعة قدماء.

  أما نحن فأثبتنا ما أثبته الدليل، ونفينا ما نفاه، ولم نجد دليلاً إلا على قديم واحد، ولم نجد دليلاً على كلام قديم، ولا عرش، ولا كرسي قديمين، ولا على أعراض قديمة، بل قام الدليل على أنه لا يمكن أكثر من قديم واحد، وما ذا نجيب على الملحدين الذين يدعون قدم العالم من الطبائعية، والفلاسفة، وغيرهم إذا قالوا: إذا قد أثبتم أعراضاً وهي: الصفات، وأجساماً وهي: الله، والعرش، والكرسي، على قول من أثبت له يداً، ووجهاً، ونحوها حقيقة، وحدَّدُوه، فإذا قد أثبتم أعراضاً، وأجساماً قدماء، فما المانع من أن نقول: إن العالم قديم، وإنما هو أجسام وأعراض؟ ويقولون: إن الحوادث اليومية إنما هي لعلل وطبائع مختلفة قديمة حتى صارت معلولاتها مختلفة، وأنتم لم تجعلوا الاختلاف دليل الحدوث.