القول السديد شرح منظومة هداية الرشيد،

الحسين بن يحيى بن محمد (المتوفى: 1435 هـ)

[بحث فريد في الرؤية]

صفحة 80 - الجزء 1

  الأول: أن هذا إخبار عن عدم حصول الرؤية في المستقبل، فلا يصح حصولها، وإلا كان الواقع على خلاف ما أخبر وهو كذب.

  ولا يصح تخصيص الخبر بوقت دون وقت بدون مخصص؛ لأنَّه تحكم.

  ولا تخصيصه بدون مخصص متصل؛ لأنَّ المقصود منه الاعتقاد فيؤدي إلى الاعتقاد الفاسد.

  ألا ترى لو أن رجلاً اعترف بأن عليه لرجل ألف درهم، ثم بعد يومين قال: إلا عشرة فإنه لا يقبل منه هذا الاستثناء، ويحكم عليه بالألف، بخلاف الإيجاب والتحريم، فإن المقصود منه العمل، فيجوز التخصيص قبل إمكان العمل.

  الثاني: أن هذه الآية وردت مورد المدح؛ لأنَّها توسطت بين صفات المدح، ولا تكون مدحاً إلا إذا كان من شأنه، ومن خصائصه أنه لا يمكن أن تدركه الأبصار.

  أما إذا كان لا تدركه الأبصار؛ لأنَّه محجوب فالأشياء كلها لا تدركها الأبصار إذا كانت محجوبة، فيكون الإخبار به عرياً عن الفائدة؛ لأنَّه إخبار بما هو معلوم، والإخبار بما هو معلوم لا يفيد فيكون عبثاً.

  ومنها قوله تعالى لموسى ~: {لَنْ تَرَانِي وَلَكِنُ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي}⁣[الأعراف: ١٤٣]، وفيها دلالتان:

  الدلالة الأولى: نفي الرؤية، والنفي دائماً للاستغراق إن لم يقيد؛ لأنَّه إخبار عن العدم سواء كان للماضي مثل: (لم)، أو للمستقبل مثل (لن ولا) إن دخلتا على فعل مضارع، أو لجميع الأوقات مثل: (لا إله إلا الله)

  ولو كانت لا تفيد التأكيد، ولا التأبيد لم يكن لا إله إلا الله يفيد التوحيد دائماً وأبداً؛ فبالأولى (لن) لأن (لا) أضعف من (لن) وأقل أحوالهما أن تستويا، مع أن النفي إخبارٌ عن العدم كما مر، والوجود نقيضه.

  الدلالة الثانية: أنه علق إمكان الرؤية في المستقبل على استقرار الجبل، ولم يستقر وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط.