رابعأ: أشعار في بر الوالدين
  مَا كَانَ ذَنْبَهُمَا إِلَيْكَ فَطَالَمَّا ... مَنَحَاكَ مَحْضَ الْوِدِّ مِنْ نَفْسَيْهِمَا
  كَانَا إِذَا مَا أَبْصَرَا بِكَ عِلَّةً ... جَزَعًا لِمَا تَشْكُوْهُ شَقَّ عَلَيْهِمَا
  كَانَا إِذَا سَمِعَا أَنِيْنَكَ أَسْبَلاَ ... دَمْعَيْهِمَا أَسَفًا على خَدَّيْهِمَا
  وَتَمَنَّيَا لَوْ صَادَفَا لَكَ رَاحَةً ... بِجَمِيْعِ مَا يَحْوِيِهِ مُلْكُ يَدَيْهِمَا
  أَنَسِيْتَ حَقَّهُمَا عَشِيَّةَ أُسْكِنَا ... دَارَ الْبَلا وِسَكَنْتَ فِي دَارَيْهِمَا
  فَلَتَلْحَقَّهُمَا غَدًا أَوْ بَعْدَهُ ... حَتْمًا كَمَا لَحِقَا هُمَا أَبَوَيْهِمَا
  ٨ - لَئِنْ كَانَ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ مُقَدَمًا ... فَمَا يَسْتَوِيْ فِي بِرِّهِ الأبُ وَالأمُ
  وَهَلْ يَسْتَوِي الْوَضْعَانِ وَضْعُ مَشَقَةٍ ... وَوَضْعُ التِّذَاذٍ ذَاكَ بُرْءٌ وَذَا سُقْمُ
  إِذَا التَّفَتَتْ نَحْوَ السَّمَاءِ بِطَرْفِهَا ... فَكُنْ حَذِرًا مِنْ أَنْ يُصِبْ قَلْبَكَ السَّهْمُ
  وَفِي آيَةِ التَّأْفِيفِ لِلْحُرِّ مُقْنِعٌ ... وَلَكِنَّهُ مَا كُلُّ عَبْدٍ لَهُ فَهْمُ
  ٩ - لأمِّكَ حَقٌّ لَوْ عَلِمْتَ كَبِيْرُ ... كَثِيْرُكَ يَا هَذَا لَدَيْهِ يَسِيْرُ
  فَكَمْ لَيْلَةٍ بَاتَتْ بِثُقْلِكَ تَشْتَكِي ... لَهَا مِنْ جَوَاهَا أَنَّهُ وَزَفِيرُ
  وَفِي الْوَضْعِ لَوْ تَدْرِي عَلَيْكَ مَشَقَّةٌ ... فَكَمْ غُصَصٍ مِنْهَا الْفُؤَادُ يَطِيرُ
  وَكَمْ غَسَّلَتْ عَنْكَ الأذَى بِيَمِينِهَا ... وَمِنْ ثَدْيِهَا شُرْبٌ لَدَيْكَ نَمِيرُ
  وَكَمْ مَرَّةٍ جَاعَتْ وَأَعْطَتْكَ قُوْتِهَا ... حُنُوًّا وَإِشْفَاقًا وَأَنْتَ صَغِيرُ
  فَضَيَّعْتَهَا لَمَّا أَسَنَّتْ جَهَالَةً ... وَطَالَ عَلَيْكَ الأَمْرُ وَهُوَ قَصِيرُ
  فَآهًا لِذِيْ عَقْلٍ وَيَتَّبِعُ الْهَوَى ... وَوَاهًا لأَعْمَى الْقَلْبِ وَهُوَ بَصِيرُ
  فَدُوْنَكَ فَارْغَبْ فِي عَمِيْمِ دَعَائِهَا ... فَأَنْتَ لِمَا تَدْعُوْ إِلَيْهِ فِقِيرُ
  ١٠ - فَكَمْ وَلَدٍ لِلْوَالِدَيْنِ مُضَيَّعٌ ... يُجَازِيْهِمَا بُخْلاً بِمَا نَحْلاهُ
  طَوَى عَنْهُمَا الْقُوتَ الزَّهِيدَ نَفَاسَةً ... وَجَرَّاهُ سَارَا الْحُزْنَ وَارْتَحَلاهُ
  وَلامَهُمَا عَنْ فَرْطِ حُبِّهِمَا لَهُ ... وَفِي بُغْضِهِ إِيَاهُمَا عَذْلاهُ
  أَسَاءَ فَلَمْ يَعْدِلْهُمَا بِشِرَاكِهِ ... وَكَانَا بِأَنْوَارِ الدُّجَى عَدَلاهُ
  يُعِيْرُهُمَا طَرَفًا مِنْ الْغَيْظِ شَافِنًا ... كَأَنَّهُمَا فِي مَا مَضَى تَبِلاهُ
  يَنَامُ إِذَا مَا ادْنَفَا وَإِذَا سَرَى ... لَهُ الشَّكُوْبَاتَ الْغُمْضَ مَا اكْتَحَلاهُ
  إِن ادَّعَيَا فِي وُدِّهِ الْجُهْدَ صُدِّقَا ... وَمَا اتُّهِمَا فِيْهِ فَيَنْتَحِلاهُ