ثانيا: أحاديث في الدنيا
  وعلامته التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزول الموت يا بن مسعود من زهد في الدنيا قصر فيها أمله، وتركها لأهلها. قال الله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا}[الملك ٢]، أي: أزهد في الدنيا واتركها فإنها دار غرور ودار من لا دار له ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له يا بن مسعود أحقر الناس من طلب الدنيا قال الله ø: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ} إلى قوله: {عَذَابٌ شَدِيدٌ}[الحديد ٢٠]، قال الله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}[مريم ١٢] يعني الزهد في الدنيا قال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأْولَى ١٨ صُحُفِ إبراهيم وَمُوسَى ١٩}[الأعلى]، قال تعالى لموسى #: لم يتزين المتزينون بزينة أحسن ولا أحب إليَّ بمثل الزهد، وقال: يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلاً فقل مرحباً بشعار الصالحين وإذا رأيت الغنى مقبلاً فقل ذنب عجلت عقوبته. يا بن مسعود من اشتاق إلى الجنة سلى عن الشهوات ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات، ومن ترقب الموت سارع إلى الخيرات. يا بن مسعود إن موسى المصطفى بالكلام والنجوى، رأى خضرة البقل من شقاق بطنه ومن هزاله، وما سأل ربه ø حين تولى من الظل إلى طعاماً يأكله من جوعه.
  يا ابن مسعود إن شئت نبأتك بأمر نوح عاش ألفاً إلا خمسين عاماً لم يبني كلما أصبح قال: لا أمسي وإذا أمسى قال: لا أصبح، وكان لباسه الشعر وطعامه الشعير، وإن داود خليفة الله في الأرض كان طعامه على ثلاثة أجزاء: جزء شعير، وجزء ماء، وجزء نخالة وكان لباسه الشَّعَر، وإن سليمان # فيما كان فيه من الملك يأكل الخشكار(١) ويطعم الناس الحوارى، وكان لباسه الشَّعَر وإذا جنه الليل شدّ يده إلى عنقه فلا يزال حتى يصبح باكياً، وإن إبراهيم خليل الله صلى الله عليه كان لباسه الصوف وطعامه الشعير، وكان يحيى بن زكريا # لباسه ليف ويأكل ورق الشجر، وأن عيسى بن مريم # ففي أمره عجب كان يقول: إدامى الجوع وشعاري الخوف، ودابتي رجلاي ولباسي الصوف وسراجي القمر، ودفئي في الشتاء مشارب الأرض وفاكهتي وريحانتي مما أنبتت الأرض للوحوش والأنعام، وليس لي شيء وليس على
(١) الخشكار: الخبز الأسمر غير النقي. المعجم الوسيط