حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

الباب الثاني: في المسند إليه

صفحة 102 - الجزء 1

  فكان ينبغي له أن يسلك ما سلكه الأصل من جعله الاهتمام سببًا في التقديم، وجعل هذه الجهات من أفراده.

  ومنها: التنظيم، أي: النظم، أي: ضرورته من وزن⁣(⁣١) أو قافية، وفي معناه السجع.

  ومنها: تعجيل المسرة بسبب التفاؤل⁣(⁣٢)، نحو: «سعد في دارك»، ومثله تعجيل المساءة بسبب التطير والتشاؤم، نحو: «السفاح في دار صديقك».

  ومنها: التخصيص، أي: تخصيص المسند إليه بالمسند الفعلي⁣(⁣٣) - أي: جعل المسند الفعلي مقصورًا على المسند إليه - إن تقدم على المسند إليه حرف السلب، نحو: «ما أنا قلت هذا»، أي: لم أقله مع أنه مقول لغيري؛ إذ لا يقال ذلك إلا في شيء ثبت في الجملة⁣(⁣٤) لغير المسند إليه. فالتقديم يفيد نفي الفعل عن المتكلم وثبوته لغيره على الوجه الذي نفي عنه من العموم أو الخصوص⁣(⁣٥)،


(١) أي: محافظة على وزنٍ نحو:

حسبي بقلبك شاهدًا لي في الهوى ... والقلب أعدل شاهدٍ يُستشهدُ

وقوله: «قافية»: أي: محافظة عليها من حيث موافقة رويِّها لما قبله كقوله:

لا يغرنك ثياب نقيتْ ... فهي بالصابون والماء نظيفة

تشبه البيضة لما فسدتْ ... قشرها أبيض والباطن جيفة

فإنه لو قال: وجيفة الباطن لفاتت الموافقة. ومثال السجع: قلت: متى الوصل أيها الحبيب، فقال: لا تجزع فالوصل قريب.

(٢) قوله: «بسبب التفاؤل» راجع لـ «تعجيل»، ووجه السببية أن اللفظ الذي افتتح به الكلام إذا كان دالا على ما تميل إليه النفس تفاءل منه السامع - أي: تبادر إلى ذهنه حصول الخير - فينشأ من ذلك التفاؤل تعجيل المسرة. أفاده الصبان. مخلوف.

(٣) أي: المسند المبدوء بفعل، نحو: «قلت» في مثال المؤلف. أي: بنفي المسند الفعلي، فهو على حذف مضاف؛ لأن المقصور على المثال الذي ذكره نفي القول، وأما الفعل الذي هو القول فهو ثابت لغيره.

(٤) قوله: «في الجملة» أي: لا ثبوتًا عامًّا في جميع ما غاير المسند إليه، فقد أشار بقوله: «في الجملة» إلى أنه لا يلزم الثبوت لجميع من سواك؛ وذلك لأن التخصيص إنما هو بالنسبة إلى مَن توهم المخاطب اشتراكك معه في القول؛ فيكون القصر في كلامك قصر إفراد، أو انفرادك به؛ فيكون قصر قلب. مخلوف.

(٥) قوله: «من العموم أو الخصوص» بيان للوجه، فإذا كان النفي عامًّا أو خاصًّا كان الثبوت كذلك. مثال العموم: «ما أنا رأيتُ أحدًا» فقد نفي عن المسند إليه رؤية كل أحد وأثبتت لغيره، ومثال الخصوص: «ما أنا قلت هذا» فقد نفي عن المسند إليه قول هذا القول بخصوصه وأثبت =