حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

الباب الثاني: في المسند إليه

صفحة 103 - الجزء 1

  ولهذا لا يصح: «ما أنا قلت هذا ولا غيري»؛ لأن مفهوم «ما أنا قلت⁣(⁣١)» يناقض منطوق «لا غيري»، ولا «ما أنا رأيت كل أحد⁣(⁣٢)»؛ لاقتضائه أن غيره رأى كل أحدٍ؛ لقصر سلب الرؤية على وجه العموم، وهو يقتضي ثبوتها للغير كذلك. ولا «ما أنا ضربت إلا زيدًا»؛ لأنه يقتضي أن إنسانًا غيره قد ضرب كل أحد سوى زيد، فهذه ثلاث صور ممتنعة للجهة المذكورة⁣(⁣٣).

  فإن لم يَلِ المسند إليه حرف النفي - بأن يفقد من الكلام أصلًا، أو يتأخر عنه⁣(⁣٤) - فتارة يكون التقديم للتخصيص والرد على من زعم انفراد غير المسند إليه بالفعل أو مشاركته له، نحو: «أنا سعيت في حاجتك» لا غيري⁣(⁣٥) إن قصد الرد على من زعم انفراد «غيره»، أو «وحدي» إن قصد الرد على من زعم المشاركة.

  وتارة يرد لتقوية الحكم وتقريره عند السامع دون التخصيص، نحو: «هو يعطي الجزيل»، بقصد أن يقرر في ذهن السامع أنه يفعل ذلك، لا أن غيره لا يفعله. وكذلك⁣(⁣٦) إذا كان الفعل منفيًّا⁣(⁣٧)، نحو: «أنت لا تكذب»، فإنه أبلغ⁣(⁣٨) في


= لغيره، فالعموم والخصوص بالنسبة إلى المعمول. مخلوف.

(١) وذلك لأن مفهومه ثبوت قائلية هذا القول لغير المتكلم، ومنطوق «لا غيري» نفيها عنه، وهما متناقضان. مخلوف.

(٢) هذا إنما يفيد سلب عموم الرؤية لكل أحد لا عموم سلب الرؤية؛ فلا يلائم قوله بعد: «لقصر سلب الرؤية ... إلخ» فالمناسب أن يمثل بما مثل به الأصل وهو: «ما أنا رأيت أحدا». مخلوف.

(٣) وهي أن التقديم مع موالاة النفي يفيد التخصيص إلى آخر ما تقدم. مخلوف.

(٤) أي: يتأخر حرف النفي عن المسند إليه.

(٥) اعلم أن «لا غيري» ليس من تمام التمثيل كما يوهمه الشارح، وكذلك «وحدي»، وإنما هما تأكيد لما قصد من التركيب؛ فكان الأوضح أن يعبر بعبارة الأصل بأن يقول بعد قوله: «أنا سعيت في حاجتك»: ويؤكد على الأول بنحو «لا غيري»، وعلى الثاني بنحو «وحدي» تأمل. مخلوف.

(٦) قوله: «وكذلك ... إلخ» عطف على محذوف، أي: هذا إذا كان الفعل مثبتا. والمشار إليه بـ «كذلك» هو البيان المذكور في «أنا سعيت» وفي «هو يعطي الجزيل». مخلوف.

(٧) أي: أن الفعل المنفي كالمثبت؛ فتارة يفيد التخصيص، نحو: «أنت ما سعيت في حاجتي»، وتارة يفيد التقوية، نحو مثال المصنف وهو: «أنت لا تكذب».

(٨) قوله: «فإنه أبلغ ... إلخ» تعليل لمحذوف، أي: وهذا مثال لتقوية الحكم وتقريره. ومعنى أبلغ: أشد. مخلوف.