الباب الثاني: في المسند إليه
  «عرضت الحوض على الناقة»؛ لأن(١) القاعدة أن المعروض عليه يكون له ميل إلى المعروض، والحوض مما يميل إليه الحيوان، فيعرض هو على الحيوان، لا الحيوان عليه.
  واختلف في قبوله، فقيل: يقبل مطلقًا؛ لأنه يورث الكلام ملاحة، وقيل: لا يقبل مطلقًا؛ لأنه عكس المطلوب ونقيض المقصود، والحق ما عليه الأصل، وهو التفصيل: فإن تضمن معنى لطيفًا قُبِل، وإلا فلا.
  فالأول: نحو قوله [الرجز]:
  ومَهْمَهٍ مُغْبَرَّةٍ أرْجاؤُهُ ... كأنَّ لونَ أرضِهِ سماؤُهُ(٢)
  والأصل: «كأن لونَ سمائه لغبرته لونُ أرضه»، أي: كلونها، والنكتة فيه: المبالغة في وصف لون السماء بالغبرة حتى صار بحيث يشبه به لون الأرض في ذلك، مع أن الأرض أصل فيه(٣). والمهمه: المفازة(٤). والْمُغْبَرَّة: المملوءة غبارًا. والأرجاء: النواحي، جمع رجى بالقصر كرحى.
  والثاني: نحو قوله [الوافر]:
  فلما أنْ جَرَى سِمَنٌ عَليها ... كما طيَّنَتْ بِالْفَدَنِ السِّيَاعَا(٥)
  يصف ناقةً بالسِّمَنِ. والفَدَنِ: القصر. والسياع: الطين المخلوط بالتبن. والأصل: كما طينت بالسياع الفدن، وليس في هذا القلب معنى لطيف.
(*) وفي القلب في «عرضت الناقة على الحوض» اعتبار لطيف، وهو أن المعتاد أن يؤتى بالمعروض على المعروض عليه فحيث أتي بالناقة إلى الحوض جعلت كأنها معروضة والحوض معروض عليه. مخلوف.
(١) قوله: «لأن القاعدة ... إلخ» تعليل لكون المثال من قبيل القلب. مخلوف
(٢) البيت لرؤبة بن عبد الله العجاج التميمي، راجز من الفصحاء المشهورين، وهو من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية مات في سنة ١٥٤ هـ. انظر الأعلام، والبيت موجود في ديوانه ص ٣ والمفتاح ص ١١٣.
(٣) قوله: «مع أن الأرض» أي: لون الأرض، وقوله: «أصل فيه» أي: في ذلك التشبيه، فحق لون الأرض أن يجعل مشبهًا به ولون السماء مشبهًا، بأن يقال: كأن لون سمائه لون أرضه. مخلوف.
(٤) هي اسم للمكان الذي لا ماء فيه ولا مرعى.
(٥) البيت للقطامي عُمير بن شُييم. انظر الأغاني وديوان القطامي ص ٤٦.