حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

[البحث الأول: حذف المسند]

صفحة 114 - الجزء 1

  قال

الباب الثالث: المسند

  أقول: أخَّرَهُ عن المسند إليه لأنه فرع عنه ومسوق لأجله؛ لأن المسند إليه محكوم عليه، والمسند حكم، والثاني مؤخر عن الأول. والمقصود من هذا الباب: بيان الأحوال العارضة للمسند من حيث كونه مسندًا، كالحذف والذكر وغير ذلك.

  قال:

  يحذف مسندٌ لما تقدما ... والتزموا قرينةً لِيُعْلَما

  أقول: يتعلق بالمسند أبحاث:

[البحث الأول: حذف المسند]

  البحث الأول في حذفه، ويكون للنكت الماضية في حذف المسند إليه:

  فمنها: الاحتراز عن العبث، أي: الإتيان بما لا فائدة فيه؛ للعلم به، نحو: «زيد» في جواب: «مَن قام؟»، وقوله [الطويل]:

  وَمَنْ يَكُ أمسى بالمدينةِ رَحْلُهُ ... فَإنِّي وَقَيَّارٌ بِها لَغَرِيْبُ⁣(⁣١)

  الرحل: هو المنزل والمأوى، وقيار: اسم فرس للشاعر، وهو ضابئ بن الحرث، فالمسند إلى قيار محذوف⁣(⁣٢)؛ لدلالة خبر ما قبله عليه، ولضيق المقام بسبب التوجع، وللاختصار، ولحفظ الوزن أيضًا.

  ومن ذلك⁣(⁣٣): {قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي}⁣[الإسراء ١٠٠] والأصل: لو تملكون تملكون، فحذف الفعل احترازًا عن العبث؛ لوجود المفسر، فانفصل الضمير. وليس «أنتم» مبتدأ وما بعده خبر، بل فاعل لفعل محذوف كما رأيت؛ لأن «لو» لا تدخل على الاسم.


(١) انظر البيت في خزانة الأدب ٦/ ٣٢٦ والشعر والشعراء ٣٥٨.

(٢) المعنى: فإني لغريب وقيار أيضًا غريب؛ لقصد الاختصار والاحتراز عن العبث في الظاهر، مع ضيق المقام بسبب التحسر.

(٣) عدد المثال؛ لأن المسند في المثال الأول اسم، وفي هذا المثال فعل. مخلوف.