[البحث الثامن: في تقديم المسند وتأخيره]
  أقول: البحث الثامن في تقديمه وتأخيره، فتأخيره للأصل، وينبغي(١) إذا كان ذكر المسند إليه أهم.
  وتقديمه: إما لقصره على المسند إليه(٢)، نحو: {لَا فِيهَا غَوْلٌ(٣)}[الصافات ٤٧]، بخلاف خمر الدنيا(٤)، ولذا لم يقدم في قوله: {لاَ رَيْبَ فِيهِ}[البقرة ٢] بأن يقال: «لا فيه ريب»؛ لئلا يفيد ثبوت الريب في سائر كتب الله تعالى.
  أو للتنبيه على أنه خبر من أول وَهْلَةٍ(٥)، لا نعت، نحو [الطويل]:
  لَهُ هِمَمٌ لا مُنْتَهى لِكِبَارِها(٦)
  إذ لو قيل: «همم له» توهم أنه نعت(٧)؛ لشدة طلب النكرة للنعت.
  أو للتفاؤل نحو: «سَعِدَتْ بِغُرَّةِ(٨) وجهك الأيام»
(١) أي: ويتأكد تأخيره إذا كان ذكر المسند إليه أهم، نحو: «المؤمن عزيز».
(٢) قوله: «إما لقصره على المسند إليه» يفيد ظاهره أن القصر من قصر الصفة على الموصوف، وقد رده السعد، وارتضى أنه قصر موصوف على صفة، وعلله الفنري بأنه القانون في الاستعمال؛ فكان المناسب للشارح أن يقول: «إما لقصر المسند إليه عليه» لا سيما وكلام المصنف كالصريح فيه. مخلوف.
(٣) الغول: هو ما يحصل بشرب الخمر من وجع الرأس وثقل الأعضاء.
(*) وقوله: «بخلاف خمر الدنيا»: أي: فإن فيها غولًا. مخلوف.
(٤) قال السعد: فإن قلت: المسند هو الظرف أعني «فيها»، والمسند إليه ليس بمقصور عليه، بل على جزء منه أعني الضمير المجرور الراجع إلى خمور الجنة. قلت: المقصود أن عدم الغول مقصور على الاتصاف بفي خمور الجنة لا يتجاوزه إلى الاتصاف بفي خمور الدنيا [إن اعتبرت النفي في جانب المسند إليه]، وإن اعتبرت النفي في جانب المسند فالمعنى أن الغول مقصور على عدم الحصول في خمور الجنة لا يتجاوزه إلى عدم الحصول في خمور الدنيا، فالمسند إليه مقصور على المسند قصرا غير حقيقي.
(٥) قوله: «من أول وهلة» متعلق بمحذوف حال من التنبيه. ومعنى من أول وهلة: من أول شيء، فهو بمعنى قول الأصل من أول الأمر. مخلوف باختصار يسير.
(٦) عجزه:
وهِمَّتُهُ الصغرى أجلُّ من الدهر
وهو لبكر بن النطاح. انظر الأغاني والإيضاح ص ١٠٧، وقيل: إن البيت لحسان بن ثابت.
(٧) أي: لتوهم كون «له» صفة لما قبله، ففي تقديم «له» على «همم» تنبيه على أن «له» خبر لا نعت؛ لأن النعت لا يتقدم على المنعوت، بخلاف الخبر فإنه يتقدم على المبتدأ.
(٨) قوله: «سعدت ... إلخ» لا يقال: هذا فعل يجب تقديمه على فاعله فليس التقديم للتفاؤل؛ لأنه =