حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

الباب الرابع في متعلقات الفعل

صفحة 129 - الجزء 1

  ويحذف أيضًا للاختصار⁣(⁣١)، نحو: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ}⁣[الأعراف ١٤٣]، أي: ذاتك، ومنه: «بلغ المولع بالأذكار»، أي: الدرجة العليا.

  قال:

  وجاء للتخصيص قبل الفِعْلِ ... تَهَمُّمٍ تبرُّكٍ وفَصْل

  أقول: الأصل في المفعول التأخير عن الفعل، نحو: «أكرم زيد عمرًا»، وقد يتقدم لأغراض:

  منها: التخصيص، أي: قصر الحكم على ما يتعلق به الفعل، نحو: «زيدًا عرفت» أي: لا غيره، جوابا⁣(⁣٢) لِـ «إِنك عرفت غير زيد»، ومنه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}⁣[الفاتحة ٥]، أي: لا غيرك، ولذا⁣(⁣٣) لا يقال: «زيدًا عرفت وغيره»، ولا: «ما زيدًا عرفت ولا غيره»؛ لاقتضائه⁣(⁣٤) في الأول: قصر المعرفة على زيد وسلبها عن غيره، والعطف ينافي ذلك⁣(⁣٥)، وفي الثاني: سلبها عن زيد وثبوتها لغيره، والعطف ينافي ذلك⁣(⁣٦).

  ومنها: الاهتمام به، نحو: «محمدًا اتبعت⁣(⁣٧)»؛ ولذلك⁣(⁣٨) كان الأولى عند الجمهور تقدير العامل في: «بسم الله» متأخرًا.

  فإن قيل: قد ذكر مقدمًا في قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ١}⁣[العلق].

  أجيب عن ذلك: بأن الأهمَّ ثَمَّ القراءةُ؛ لأنها أول سورة نزلت⁣(⁣٩) إلى: {مَا لَمْ يَعْلَمْ}⁣[العلق ٥].


(١) قوله: «للاختصار» أي: لمجرده وإلا فكل حذف مما سبق لا يخلو عن اختصار. مخلوف.

(٢) قوله: «جوابا لإنك ... إلخ» بكسر الهمزة، أي: لقول القائل: إنك عرفت غير زيد.

(٣) قوله: «ولذا» أي: لكون التقديم يفيد التخصيص. مخلوف.

(٤) أي: التقديم.

(٥) لأنه صريح في ثبوت معرفتك للغير، فصريح العطف يخالف مقتضى ما قبله. مخلوف.

(٦) لأن صريحه ثبوت نفي المعرفة. مخلوف.

(٧) أي: حيث يقوم الدليل على عدم قصد التخصيص فيكون تقديم الاسم الشريف لمجرد الاهتمام. مخلوف.

(٨) أي: لكون التقديم يفيد الاهتمام. وقوله: «كان الأولى ... إلخ» ليفيد تقديم المعمول الاهتمام اللائق باسم الله، ثم كون التقديم هنا للاهتمام لا ينافي قصد التخصيص به؛ إذ لا مانع من قصد الأمرين معا. مخلوف.

(٩) وقيل: أول ما نزل سورة الفاتحة، وقيل: أول ما نزل أول سورة المدثر. دسوقي.