حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

الباب الخامس: القصر

صفحة 131 - الجزء 1

  وفي الاصطلاح: تخصيص أمر بآخر بطريق مخصوص⁣(⁣١)، كتخصيص زيد بالقيام في قولنا: «ما قائم إلا زيد».

  وهو قسمان: حقيقي، وإضافي.

  فالأول: ما كان التخصيص فيه بحسب الحقيقة⁣(⁣٢)، بحيث لا يتجاوز المقصور ما قصر عليه إلى غيره.

  والثاني: ما كان التخصيص فيه بحسب الإضافة إلى شيء آخر⁣(⁣٣).

  مثال الأول: «إنما السعادة للمقبولين». ومثال الثاني: «إنما العالم زيد» جوابا لمن قال: «زيد وعمرو عالمان».

  وكل منهما: قصر موصوف على صفة بأن لا يتجاوزها إلى صفة أخرى، ويجوز أن تكون تلك الصفة لموصوف آخر.

  وقصر صفة على موصوف بأن لا تتجاوزه إلى موصوف آخر، ويجوز أن يكون لذلك الموصوف صفات أخر.

  والمراد بالصفة هنا: المعنوية⁣(⁣٤)، وهي أعم⁣(⁣٥) من النعت النحوي، فالأقسام أربعة.


(١) أي: معهود معين من الطرق المصطلح عليها عندهم، وهو واحد من الطرق الأربع الآتية. واحترز بقوله: «بطريق مخصوص» عن قولك: «زيد مقصور على القيام» فلا يسمى قصرا اصطلاحا. دسوقي باختصار.

(٢) أي: نفس الأمر. مخلوف.

(٣) أي: بأن لا يتجاوز المقصور المقصور عليه إلى ذلك الشيء الآخر وإن أمكن أن يتجاوزه إلى شيء آخر.

(٤) وهي المعنى القائم بالغير سواءً كان فعلًا أو مصدرًا أو مشتقًّا أو ظرفًا أو جارًّا ومجرورًا أو غير ذلك. والمراد بالموصوف هنا: كل ما قام به غيره، فيقع القصر بين المبتدأ والخبر، نحو: «وما محمد إلا رسول»، والفعل والفاعل نحو: «لا ينجح إلا محمد»، والمفعولين نحو: «ما أعطيت محمدًا إلا كتابًا»، في قصر المفعول الأول على الثاني، أما قصر الثاني على الأول فمثاله: «ما أعطيت كتابًا إلا محمدًا». والحال وصاحبها، نحو: «ما جاء راكضًا إلا خالد» هذا مثال قصر الحال على صاحبها أما العكس فنحو «ما جاء خالد إلا راكضًا» ومثل ذلك متعلقات الفعل فإن القصر يجري فيها ما عدا اثنين: الأول: المصدر المؤكِّد فلا يقع القصر بينه وبين الفعل فلا يجوز «ما ضربت إلا ضربًا»، وأما قوله: {إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا}⁣[الجاثية ٣٢] فتقديره: ظنًّا ضعيفا. الثاني: المفعول معه فإنه لا يجيء بعد «إلا» ولذلك لا يقال: «ما سرت إلا والحائط».

(٥) قوله: «وهي أعم ... إلخ» أي: أعم من وجه؛ لتصادقهما في مثل: «أعجبني هذا العلم»، وينفرد النعت بنحو «مررت بهذا الرجل» فإن لفظ «الرجل» نعت لاسم الإشارة، ولم يدل على معنى قائم بالغير بالنظر لأصله؛ فليس صفة معنوية. وتنفرد الصفة المعنوية بنحو: «العلم حسن» فإن «العلم» صفة معنوية لا=