فصل: في الدلالة الوضعية
  كأنَّ قُلوبَ الطيرِ رَطْبًا وَيَابِسًا ... لدى وَكْرِهَا العُنَّابُ والْحَشَفُ البالي(١)
  شبه الطري من قلوب الطير بالعُنَّاب، واليابس منها بالحشف البالي.
  وإلى مفروق: وهو أن يؤتي بمشبه ومشبه به ثم آخر وآخر، كقوله:
  النَّشْرُ مِسْكٌ والوُجُوهُ دَنَا ... نِيْرٌ وَأطرافُ الأَكُفِّ عَنَمُ(٢)
  وإلى تشبيه التسوية: وهو أن يتعدد المشبه [دون المشبه به]، كقوله [المجتث]:
  صُدْغُ الحبيب وحالي ... كلاهما كالليالي(٣)
  وإلى تشبيه الجمع: وهو أن يتعدد المشبه به دون المشبه، كتشبيه الثغر باللؤلؤ المنضد أو البَرَد أو الأقاح في قوله [السريع]:
  كأنما(٤) يَبْسُمُ عَنْ لُؤلؤٍ ... مُنَضَّدٍ أو بَرَدٍ أو أَقَاح(٥)
  قال:
  وَبِاعْتِبَارِ الْوَجْهِ تَمْثِيلٌ إِذَا ... مِنْ مُتَعَدِّدٍ تَرَاهُ أُخِذَا
  أقول: ينقسم التشبيه باعتبار وجه الشبه:
(١) البيت لامرئ القيس قي ديوانه ص ٣٨ وفي الإيضاح ص ٢٤٠. والحشف: نوع من التمر رديء.
(٢) البيت لربيعة بن سعد بن مالك المرقَّش الأكبر، شاعر جاهلي، ذكره في الإيضاح ص ٢٤٢. والنشر: الرائحة الطيبة، والعنم: شجر لين الأغصان أحمر.
(٣) البيت موجود في تاج العروس بدون نسبة. الصُدغ بضم الصاد: هو ما بين الأذن والعين، ويطلق على الشعر المتدلي من الرأس، وهو المراد هنا، فالمشبه: صدغ الحبيب - أي: شعرها - وحاله، وهو متعدد. والمشبه به: هو الليالي، وهو متحد. ووجه الشبه: هو السواد إلا أنه في «حاله» تخييلي؛ لأن الحال لا علاقة له بالألوان. قد يقال: إن هذا البيت من تشبيه متعدد بمتعدد لأن الليالي متعدد لكونه جمعًا. والجواب: أن المراد بالمتعدد وجود معنيين مختلفي المفهوم والمصدوق لا وجود أجزاء الشيء مع تساويها كالليالي.
(٤) قوله: «كأنما يبسم» قال السعد: شبه ثغره بثلاثة أشياء، أي: جعل كل واحد منها مشبها به، وقد نبَّه على هذا بـ «أو». ونُظِّر كون هذا البيت من باب التشبيه بأن المشبه - أعني الثغر - غير مذكور لفظا ولا تقديرا. وأجيب بأن تشبيهه ضمني، وذلك لأن أصل اللفظ كأنما يبسم تبسما كتبسم المذكورات مجازا، وتشبيه التبسم بالتبسم يستلزم تشبيه الثغر بالمذكورات.
(٥) البيت للبحتري، انظر ديوانه ١/ ٢٢٩. ومعنى منضد: أي: منظم، والبرد: معروف وهو حب المطر، والأقاح: جمع أقحوان، وهو نوع يتفتح كالورد، وأوراقه أشبه شيء بالأسنان في اعتدالها، ومنه نوع أبيض، وهو المراد هنا، وهو المسمى بالبابونج. ووجه الاستشهاد: أن الشاعر شبه ثغر الممدوح بثلاثة أشياء: اللؤلؤ والبرد والأقاح، فالمشبه به متعدد والمشبه غير متعدد.