الباب الثاني الحقيقة والمجاز
  الصوفية نقلوها من المحسوسات إلى دائرة الكمال(١). و (الصوفي): من صفا من الرعونات(٢) البشرية حتى وصل بذلك إلى خالق البرية.
  ثم المجاز المفرد:
  إما مرسل(٣): وهو ما كانت العلاقة فيه غير المشابهة، كاستعمال اسم الجزء في الكل كالكلمة في الكلام. وعكسه، كاستعمال الأصابع في الأنامل في: {يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم(٤)}[البقرة ١٩].
  ومنها: إطلاق اسم الحال على المحل، وعكسه، وقد اجتمعا في قوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}[الأعراف ٣١]؛ إذ المراد بالزينة: الثوب(٥)، وبالمسجد: الصلاة(٦).
  ومنها: الآلة، نحو: {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ}[الشعراء ٨٤]، أي: ذكرا حسنا(٧)، فاستعمل اللسان في الذكر لأنه آلته.
  ومنها: استعمال الظرف في المظروف، نحو: «شَرِبْتُ كُوْزًا»، أي: ماءً، وعكسه نحو: {فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ}[آل عمران ١٠٧] أي: الجنة التي هي ظرف للرحمة.
  ومنها: إطلاق اسم المسبَّب على السبب، نحو: «أمطرت السماء نباتا»، أي: غيثا، وعكسه، نحو: «رعينا غيثا» أي: نباتا.
  ومنها: اعتبار ما كان، نحو: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ}[النساء ٢] سماهم يتامى باعتبار وصفهم الماضي.
(١) هي الحالة التي إذا وصل إليها الشخص سمي عارفًا. مخلوف.
(٢) الرعونات: الأوصاف الذميمة. مخلوف.
(٣) سمي مرسلًا لإطلاقه عن التقييد بعلاقة مخصوصة، بل له علاقات كثيرة. بخلاف الاستعارة فإن علاقتها مخصوصة بالمشابهة.
(٤) أي: أناملهم، والقرينة استحالة دخول الأصابع بتمامها في الآذان عادة. دسوقي.
(٥) فقد أطلق اسم الحالِّ - وهو الزينة - على المحل وهو الثوب، بقرينة أنه لا يعقل التكليف بأخذ الزينة، وإنما يعقل بأخذ محلها. مخلوف.
(٦) فقد أطلق اسم المحل - وهو المسجد - على الحالِّ وهو الصلاة؛ لأن المسجد مكان للصلاة، والقرينة السياق الذي نزلت الآية من أجله. مخلوف.
(٧) قوله: «ذكرا حسنا» أي: فيهم، أَخَذَ الحسن من إضافة اللسان للصدق. دسوقي.