حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

فصل في الاستعارات

صفحة 172 - الجزء 1

  ومنها: الأَوْلُ، نحو: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا}⁣[يوسف ٣٦] أي: عصيرا يؤول إلى الخمر.

  وإما استعارة: وهو ما كانت العلاقة فيه المشابهة، كالأسد المستعمل في الرجل الشجاع في قولك: «رأيت أسدا في الحمام».

  ثم إن علاقات المجاز المرسل أكثر مما ذكره المتن، ومن أرادها فعليه بما كتبناه على «عصام الاستعارات».

  قال:

فَصْلٌ فِي الاسْتِعَارَاتِ

  وَالاسْتِعَارَةُ مَجَازٌ عُلْقَتُهْ ... تَشَابُهٌ كَأَسَدٍ شَجَاعَتُهْ⁣(⁣١)

  وَهْيَ مَجَازٌ لُغَةً عَلَى الأَصَحْ ... وَمُنِعَتْ فِي عَلَمٍ لِمَا اتَّضَحْ

  وَفَرْدًا أوْ مَعْدُودًا أوْ مُؤَلَّفَا ... مِنْهُ⁣(⁣٢) قَرِينَةٌ لَهَا قَدْ أُلِفَا

  أقول: الاستعارة: اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة كالأسد المستعمل في الرجل الشجاع فقوله: (كأسد شجاعته) أي: كالأسد إذا أطلق على الرجل الشجاع، و (شجاعته) العلاقة بينهما، أي: علاقته شجاعته.

  والأصح أنها من المجاز اللغوي الذي هو استعمال اللفظ في غير ما وضع له. وقيل: من العقلي، بمعنى: أن التصرف في أمر عقلي لا لغوي؛ لأنها⁣(⁣٣) لما لم تطلق على المشبه إلا بعد ادعاء دخوله في جنس المشبه به كان استعمالها فيما وضعت له. ورَدَّهُ في الأصل⁣(⁣٤).


(١) بأن جعل الرجل الشجاع مثلا فردًا من أفراد الأسد.

(٢) قوله: «أو مؤلفا منه» أي: أو تكون القرينة مؤلفا منه، أي: من المعدود، أي: المتعدد.

(٣) قوله: «لأنها» أي: الاستعارة بمعنى الكلمة كلفظ أسد. وقوله: «على المشبه» أي: كالرجل الشجاع، فقوله: «لأنها ... إلخ» دليل لكونها ليست مجازا لغويا بل عقليا. دسوقي بتصرف.

(٤) عبارة الأصل مع السعد: (ورد) هذا الدليل (بأن ادعاء) أي: ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به (لا يقتضي كونها) أي: الاستعارة (مستعملة فيما وضعت له)؛ للعلم الضروري بأن أسدًا في قولنا: «رأيت أسدا يرمي» مستعمل في الرجل الشجاع، والموضوع له هو السبع المخصوص. وانظر بسط الكلام في المطول ص ٥٨٥.