حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

فصل في الاستعارات

صفحة 173 - الجزء 1

  ويمتنع أن تكون الاستعارة في العَلَم؛ لما اتضح عندهم من أنها تقتضي إدخال المشبه في جنس المشبه به⁣(⁣١) بجعل أفراده قسمين: متعارفًا وغير متعارف، ولا يمكن هذا في العلم لمنافاته الجنسية، إلا إذا تضمن العَلَمُ نوعَ وصفية بواسطة⁣(⁣٢) اشتهاره بوصف من الأوصاف، كـ «حاتم» المتضمن الاتصاف بالجود، فيتأول فيه⁣(⁣٣)، فيجعل كأنه موضوع للجواد، سواء كان ذلك الرجل المعهود أو غيره، فيتناول «حاتمٌ» حينئذ الفرد المتعارف المعهود والفرد الغير المتعارف، ويكون إطلاقه على المعهود - أعني حاتمًا الطائي - حقيقة، وعلى غيره ممن يتصف بالجود استعارة، نحو: «رأيت اليوم حاتما».

  وقرينة الاستعارة تكون: فردا، أي: أمرًا واحدا، نحو: «رأيت أسدا يرمي».

  أو معدودًا، أي: أكثر من أمر: اثنين فأكثر، فيكون كل واحد منهما أو منهم قرينةً، كقولك: «رأيت أسدا يرمي على فرسه» أو مع زيادةِ: «في الهيجاء».

  أو تكون معاني⁣(⁣٤) ملتئمة، أي: مربوطا بعضها ببعض يكون الجميع قرينة لا كل واحد، كقوله [الطويل]:

  وصاعقةٌٍ⁣(⁣٥) مِن نَصْلِهِ تَنْكَفِي بها ... على أَرْؤُسِ الأقرانِ خَمسُ سَحَائِبِ⁣(⁣٦)


(١) أي: أن الاستعارة مبنية على ادعاء أن المشبه فرد من أفراد المشبه به، فعلى هذا لا بد أن يكون المشبه به كليًّا، والعَلَم الشخصي ليس كذلك، بل يدل على واحد بعينه.

(٢) قوله: «بواسطة» متعلق بـ «تضمن»، وقوله: «اشتهاره» أي: العَلَم، أي: اشتهار مدلوله وهو الذات، فالعَلَم المتضمن نوع وصفية هو أن يكون مدلوله مشهورا بوصف بحيث متى أطلق ذلك العلم فهم منه ذلك الوصف، فلما كان العلم المذكور بهذه الحالة جعل كأنه موضوع للذات المستلزمة لذلك الوصف فيكون كليًّا تأويلًا، فإذا أطلق ذلك العلم على غير مدلوله الأصلي صح جعله استعارة بسبب ادعاء أنه من أفراد ذلك الكلي. دسوقي.

(٣) قوله: «فيتأول فيه» أي: فحين إذ تضمن العلم كحاتم نوع وصفية يجوز أن يشبه شخص بحاتم في الجود فيتأول ... الخ فقد نقص من عبارته هذا الكلام ولا بد منه. وقوله: «فيتأول» أي: فالتأويل بعد التشبيه، ولا يتوقف هو على التشبيه، وبهذا اندفع ما يقال: إنه إذا كان فردًا من أفراده فكيف يصح التشبيه حينئذ؟

(٤) قوله: «أو تكون معاني» عطف على «فردا»، وإنما أعاد العامل للطول. مخلوف

(٥) روي بالجر على إضمار «رُبَّ»، وروي بالرفع على أنه مبتدأ موصوف بقوله: «من نصله» وخبره قوله: «تنكفي».

(٦) البيت للبحتري ديوانه ١/ ١٧٩ والإيضاح ص ٢٨٢.