حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

الباب الثاني الحقيقة والمجاز

صفحة 174 - الجزء 1

  أي: أنامله الخمس التي هي في الجود وعموم العطايا كالسحائب، لما استعار السحائب لأنامل الممدوح ذكر أن هناك صاعقة، وبيَّن أنها من نصل سيفه، ثم قال: على أرؤس الأقران، ثم قال: خمس سحائب، فذكر العدد الذي هو عدد الأنامل، فظهر من جميع ذلك أنه أراد بالسحائب الأنامل.

  والضمير في (ألفا): للقرينة، وذكره للضرورة، وألفه للإطلاق كالذي قبله.

  قال:

  وَمَعْ تَنَافِي طَرَفَيْهَا تَنْتَمِي ... إِلَى الْعِنَادِ لا الْوِفَاقِ فَاعْلَمِ

  ثُمَّ الْعِنَادِيَّةُ تَمْلِيحِيَّهْ ... تُلْفَى كَمَا تُلْفَى تَهَكُّمِيَّهْ

  أقول: تنقسم الاستعارة باعتبار الطرفين - أعني المستعار منه والمستعار له -

  إلى: عنادية وهي التي يمتنع اجتماع طرفيها⁣(⁣١)، كاستعارة اسم المعدوم للموجود الذي لا منفعة فيه⁣(⁣٢)، واستعارة اسم الميت للحي الجاهل⁣(⁣٣).

  وإلى وفاقية: وهي التي يمكن اجتماع طرفيها في شيء، كاستعارة الإحياء للاهتداء⁣(⁣٤) في قوله: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ}⁣[الأنعام ١٢٢].

  ثم الأولى: إما تمليحية: أي: المقصود منها التمليح والظرافة.


(١) أي: في شيء؛ لتنافيهما، فلا يصح كونهما وصفين له. مخلوف.

(٢) فيكون مشاركًا للمعدوم في عدم المنفعة. فتقول في زيد الذي لا نفع فيه: «رأيت اليوم معدوما»، أو تقول: «جاء المعدوم» ونحو ذلك، فشبه الوجود الذي لا نفع فيه بالعدم، واستعير العدم للوجود، واشتق من العدم معدوم بمعنى موجود لا نفع فيه؛ فهو استعارة مصرحة تبعية عنادية. دسوقي.

(٣) لأن الحيَّ الجاهلَ عَدِمَ فائدةَ الحياة والمقصودَ بها الذي هو العلم، فيكون لفقده ذلك مشاركًا للميت في كون كل منهما فاقداً للعلم.

(٤) قوله: «للاهتداء» المناسب للهداية كما في غيره؛ لأن الفعل المستعار مسند لله فلا يصح كونه للاهتداء؛ لأنه ليس من صفاته تعالى، والإحياء والهداية يجتمعان في شيء واحد هو الله تعالى. مخلوف. فقد شبه الهداية بالإحياء، واشتق من الإحياء أحييناه بمعنى هديناه، ووجه الشبه بين الإحياء والهداية ترتب الانتفاع والمآثر على كل منهما. وفي الآية أيضًا استعارة عنادية في قوله: {مَيتًا} حيث استعار الموت للضلال بجامع ترتب نفي الانتفاع في كل منهما، وهي عنادية؛ لأنه لا يمكن اجتماع الموت والضلال في شيء واحد.