الباب الثاني الحقيقة والمجاز
  العنان في قربوس السرج(١)، فجاءت الاستعارة غريبة لغرابة الشبه(٢).
  وتنقسم الاستعارة أيضًا باعتبار الطرفين والجامع إلى ستة أقسام؛ لأن الطرفين إما حسيان، أو عقليان، أو المشبه حسي والمشبه به عقلي، أو عكسه.
  فإن كانا حسيين؛ فالجامع إما حسي: نحو: {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ}[طه ٨٨] فإن المستعار منه: ولد البقرة، والمستعار له: الحيوان الذي خلقه الله تعالى من حُلِيِّ القبط، والجامع: الشكل(٣)، والجميع(٤) حسي(٥).
  وإما عقلي: نحو: {وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ}[يس ٣٧]، فإن المستعار(٦) منه: كشط(٧) الجلد عن نحو الشاة، والمستعار له: كشط الضوء عن مكان الليل وهما حسيان والجامع: ما يعقل من ترتب أمر على آخر(٨).
  وإما مختلف(٩): كقولك: «رأيت شمسا» وأنت تريد إنسانا كالشمس في حسن الطلعة ونباهة الشأن(١٠).
(١) ووجه الشبه هو هيئة إحاطة شيء لشيئين ضامًّا أحدهما إلى الآخر على أن أحدهما أعلى والآخر أسفل، قاله الدسوقي. مخلوف.
(٢) وجه الغرابة في هذا أن الانتقال إلى الاحتباء الذي هو المشبه به عند استحضار إلقاء العنان على القربوس في غاية الندور، كان أحدهما من وادي القعود والآخر من وادي الركوب، مع ما في الوجه من دقة التركيب وكثرة الاعتبارات الموجبة لغرابة إدراك وجه الشبه، وبعده عن الأذهان. دسوقي.
(٣) فإنه كان على شكل ولد البقرة.
(٤) أي: المستعار له والمستعار منه والجامع.
(٥) أي: مدرك بالبصر.
(٦) معنى لفظ السلخ.
(٧) أي: إزالته وتنحيته، يقال: سلخ الشاة وكشط البعير، إذا نحَّى جلدهما وأزاله.
(٨) ففي الأول ترتب ظهور اللحم على كشط الجلد، أي: إزالته عن اللحم، وفي الثاني ترتب ظهور الليل - أي: ظلمته - على كشف ضوء النهار. مخلوف.
(٩) أي: أن الطرفين حسيان، والجامع مختلف: بعضه حسي وبعضه عقلي.
(١٠) فحسن الطلعة حسي، ونباهة الشأن عقلي؛ لأن معنى حسن الطلعة حسن الوجه، ويسمى الوجه طلعة لأنه المطلع عليه عند الشهود والمواجهة، وهو أمر حسي. ومعنى نباهة الشأن: شهرته ورفعته عند النفوس، وهي عقلية؛ لأنها ترجع لاستعظام النفوس لصاحبها. مخلوف بتصرف يسير.