حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

الباب الثاني الحقيقة والمجاز

صفحة 178 - الجزء 1

  عَدُوًّا وَحَزَنًا}⁣[القصص ٨] فاستعارة تبعية⁣(⁣١) للاستعارة الأصلية المقدرة في مصدر المشتق اسما أو فعلا، وللتشبيه في متعلق الحرف⁣(⁣٢).

  قال:

  وَأُطْلِقَتْ وَهْيَ الَّتِي لَمْ تَقْتَرِنْ ... بِوَصْفٍ اوْ تَفْرِيعِ أَمْرٍ⁣(⁣٣) فَاسْتَبِنْ

  وَجُرِّدَتْ بِلائِقٍ بِالْفَصْلِ ... وَرُشِّحَتْ بِلائِقٍ بِالأَصْلِ

  نَحْوُ ارْتَقَى إِلَى سَمَاءِ الْقُدْسِ ... فَفَاقَ مَنْ خَلَّفَ أَرْضَ الْحِسِّ

  أَبْلَغُهَا التَّرْشِيحُ لابْتِنَائِهْ ... عَلَى تَنَاسِي التَّشْبِيْهِ وَانْتِفَائِهْ

  أقول: تنقسم الاستعارة باعتبار ذكر ما يلائم الطرفين وعدمه:

  إلى مطلقة: وهي التي لم تقترن بشيء من ملائمات المستعار منه والمستعار له، نحو: «رأيت أسدا»، إذا كانت القرينة حالية⁣(⁣٤).

  وإلى مجردة: وهي ما اقترنت بما يلائم المستعار له، نحو: «رأيت أسدا يرمي» إذا


(١) وإنما كانت تبعية لأن الاستعارة تعتمد التشبيه، والتشبيه يعتمد كون المشبه موصوفًا بوجه الشبه، وإنما يصلح للموصوفية الحقائق كما في قولك: «جسم أبيض» و «بياض صافٍ»، دون معاني الأفعال والصفات المشتقة منها ومعاني الحروف.

(٢) أي: متعلق معنى الحرف، والمراد بمتعلقات معاني الحروف: ما يعبر بها عنها عند تفسير معانيها، مثل قولنا: «مِنْ» معناها: ابتداء الغاية، و «في» معناها: الظرفية. وبيان تبعيتها للتشبيه في الآية التي مثل بها الشارح: أنا قدرنا تشبيه مطلق ترتب نحو العداوة والحزن من كل ما لا يناسب كونه علة بمطلق ترتب العلة الغائية، بجامع مطلق الترتب، فسرى التشبيه للجزئيات؛ فاستعيرت اللام من جزئي من المشبه به لجزئي من المشبه.

(٣) أي: لم تقترن بصفة تلائم - أي: تناسب - أحد الطرفين، ولا بتفريع كلام يناسب ويلائم أحد الطرفين. والفرق بين الصفة والتفريع أن الملائم إن كان من بقية الكلام الذي فيه الاستعارة فهو صفة، وإن كان كلاما مستقلا جيء به بعد ذلك الكلام الذي فيه الاستعارة مبنيا عليه كما في قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى} بعد قوله: {فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ}⁣[البقرة ١٦]، فهو تفريع، سواء كان بحرف التفريع أم لا. دسوقي.

(٤) اعلم أن الاستعارة نوع من المجاز فلا بد لها من قرينة ترشد إلى المقصود، ويمتنع معها إجراء الكلام على حقيقته، وهي قسمان:

١ - حالية: تفهم من سياق الحديث، نحو «رأيتُ قسًّا يخطب» أي: خطيبًا فصيحًا.

٢ - مقالية: نحو «رأيت أسدًا في الحمام» أو «يسوق ..» أو «يرمي ... إلخ».