الباب الثاني الحقيقة والمجاز
  كانت القرينة حالية؛ لأن التجريد كالترشيح إنما يكون بعد تمام الاستعارة(١).
  وإلى مُرَشَّحَةٍ: وهي ما اقترنت بما يلائم المستعار منه، نحو: «رأيت أسدا له لبد» والقرينة حالية. ومنه: مثال المصنف؛ فإن الارتقاء - وهو التصاعد من سفل إلى علو - يلائم السماء المستعار لحضرة القدس، ولا يخفى ما في (ارتقى) و (فاق) من الأصلية والتبعية والترشيح؛ حيث استعير الارتقاء لانتقال حال السالك من حال إلى حال أعلى منه. و (فاق): بمعنى: علا وهو مما يلائم المستعار منه، وأما بقية البيت فاستعارة مجردة حيث استعير الأرض للصفات الدنيئة، والحس يلائمها؛ لإدراكها به، فـ (مَنْ): فاعل ارتقى، أي: ارتقى إلى حضرة المكوِّن من غاب من الأكوان.
  ومراد المصنف بـ (الفصل): المستعار له، وبـ (الأصل): المستعار منه.
  وقد يجتمع الترشيح والتجريد في كلام واحد، كقوله [الطويل]:
  لَدَى أسَدٍ شَاكِي السِّلاحِ مُقَذَّفٍ ... لَهُ لِبَدٌ أظْفَارُهُ لم تُقَلَّمِ(٢)
  فالسلاح للتجريد، والأظفار للترشيح(٣). والترشيح أبلغ من التجريد؛ لأنه مبني على تناسي التشبيه(٤). والإطلاق أبلغ من التجريد. والتجريد مع الترشيح متكافئان(٥).
  ثم إن عدم ورود الترشيح في كتاب الله تعالى - على ما زعمه بعضهم - لا ينافي الأبلغية المذكورة كما لا يخفى؛ لأن ذكر غيره لأهمية عرضية لا يقتضي عدم هذه المزية الذاتية، ومن عرف موقع الكلام هان عليه هذا المقام.
(١) أي: فإذا اعتبر «يرمي» قرينة لا يعد تجريدا، وهذا تعليل لمحذوف واضح. مخلوف. وقوله: «رأيت أسدا يرمي» مثال الوصف، ومثال التفريع «رأيت أسدا فاستعرتُ منه سيفا». ع ق. مخلوف.
(٢) البيت لزهير بن أبي سلمى، انظر ديوانه، والإيضاح.
(٣) فالسلاح وصف يلائم المستعار له - أعني الرجل الشجاع - والأظفار يلائم المستعار منه، أعني الأسد الحقيقي.
(٤) وادِّعَاء أن المستعار له هو نفس المستعار منه لا شيء شبيهٌ به وكأن الاستعارة غير موجودة أصلًا.
(٥) يعني إذا اجتمع ترشيح وتجريد فإنه يؤدي إلى تعارضهما، وبسبب ذلك التعارض يتساقطان؛ فتكون الاستعارة وقتئذٍ في رتبة المطلقة.