حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

الضرب الأول: المعنوي

صفحة 191 - الجزء 1

  أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ٦ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا}⁣[الروم]، و: {فَلاَ تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ}⁣[المائدة ٤٤].

  ومنها: تشابه الأطراف، وهو التناسب بين أول الكلام وآخره في المعنى، نحو: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ⁣(⁣١) ١٠٣}⁣[الأنعام].

  ومنها: الموافقة، وتسمى: التناسب، والتوافق - أيضًا -، ومراعاة النظير، وهو: جمع أمر وما يناسبه، لا بالتضاد⁣(⁣٢)، نحو: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ⁣(⁣٣) ٥}⁣[الرحمن].

  قال:

  وَالْعَكْسُ وَالتَّسْهِيمُ وَالْمُشَاكَلَةْ ... تَزَاوُجٌ رُجُوعٌ اوْ مُقَابَلَةْ

  أقول: اشتمل هذا البيت على ستة ألقاب:

  الأول: العكس: وهو أن يتقدم في الكلام جزء ثم يؤخر، نحو: «عاداتُ الساداتِ ساداتُ العاداتِ».

  الثاني: التسهيم - ويسمى الإرصاد - وهو أن يجعل قبل العجز⁣(⁣٤) من الفقرة أو البيت ما يدل عليه إذا عرف الرَّوِيّ⁣(⁣٥)، نحو: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}⁣[العنكبوت ٤٠]، وقوله [الوافر]:

  إذا لم تستطعْ شَيئًا فَدَعْهُ ... وَجَاوِزْهُ إلى مَا تستَطيعُ⁣(⁣٦)


(١) فاللطيف مناسب لكونه غير مُدْرَك بالأبصار، والخبير مناسب لكونه مُدرِكاً للأبصار؛ لأن المدرِك للشيء يكون خبيرًا به عالمًا. مخلوف.

(٢) قوله: «لا بالتضاد» أي: بل بالتوافق في كون ما جمع من واد واحد؛ لصحبته في إدراك، أو لمناسبة في شكل، أو لترتب بعض، على بعض أو ما أشبه شيئا من ذلك. مخلوف.

(٣) أي: فهما متناسبان من حيث تقارنهما في الخيال؛ لكون كلٍ جسمًا نورانيًّا سماويًّا. مخلوف

(٤) العَجُز: هو الكلمة التي نختم بها الفقرة أو بيت الشعر. فالاستدراك في الآية وهو قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ} يدل على العَجُز.

(٥) الروي: هو الحرف الذي يبنى عليه أواخر الأبيات الشعرية أو الفقرات، ويجب تكرره في كل منهما.

(٦) البيت لعمرو بن معدي كرب في ديوانه ص ١٥٤، وتاج العروس مادة «طوع».