حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

السرقات

صفحة 219 - الجزء 1

  فإن كان الثاني أبلغ - لاختصاصه بفضيلة كحسن السبك - فممدوح، كقول بشار [البسيط]:

  من رَاقَبَ النَّاسَ لمْ يَظْفَرْ بِحَاجَتِهِ ... وَفَازَ بِالطَّيِّبَاتِ الفَاتِكُ اللَهِجُ⁣(⁣١)

  وقول سَلْمٍ⁣(⁣٢) [مخلع البسيط]:

  من رَاقَبَ النَّاسَ مَاتَ هَمًّا ... وَفَازَ بِاللّذَّةِ الْجَسُورُ⁣(⁣٣)

  وإن كان دونه⁣(⁣٤) فمذموم، كقول أبي تمام [الكامل]:

  هَيْهَاتَ لَا يَأتِي الزَّمانُ بِمِثْلِهِ ... إنَّ الزَّمَانَ بِمِثْلِهِ لَبَخِيْلُ⁣(⁣٥)

  وقول أبي الطيب [الكامل]:

  أعَدَى الزمانَ سَخَاؤُهُ فَسَخَا بِهِ ... وَلَقَدْ يكونُ بِهِ الزَّمَانُ بَخِيلا⁣(⁣٦)

  وإن كان مثله فأبعد من الذم، والفضل للأول، كقول أبي تمام [الكامل]:

  لو حَارَ مُرْتَادُ الْمَنِيَّةِ لَمْ يَجِدْ ... إلَّا الفِرَاقَ على النُّفُوسِ دَلِيلا⁣(⁣٧)

  وقول أبي الطيب [البسيط]:

  لولا مُفَارَقَةُ الأحبابِ مَا وَجَدَتْ ... لها الْمَنايَا إلى أرْوَاحِنا سُبُلا⁣(⁣٨)


(١) البيت لبشار بن برد. انظر الأغاني ٣/ ١٩٦ والإيضاح ص ٣٩٦. ومعنى الفاتك: الجريء، واللهج: المُلحُّ.

(٢) هو سلم الخاسر شاعر مصري ماجن، وسمي بالخاسر لأنه باع مصحفًا ورثه واشترى بثمنه عودًا يضرب به. انظر الإيضاح.

(٣) بيت سلم أجود سبكًا؛ لدلالته على المعنى من غير تأمل؛ لوضوحه، وأخصر لفظاً؛ لأن لفظ الجسور قائم مقام الفاتك اللهج.

(٤) أي: إذا كان الثاني دون الأول في الحسن فمذموم.

(٥) انظر شرح ديوان أبي تمام ص ٣٦٣ والإيضاح.

(٦) فالمصراع الثاني مأخوذ من المصراع الثاني لأبي تمام؛ لكن مصراع أبي تمام أجود سبكا؛ لأن قول أبي الطيب: «ولقد يكون» بلفظ المضارع لم يقع موقعه؛ إذ المعنى على المضي كما دلت عليه الجملة الاسمية من الأول، وأيضا المراد أن الزمان كان بخيلا به حتى أعداه بسخائه فلا تناسب المضارعة.

(٧) انظر شرح ديوان أبي تمام ص ٢٢٨. ومعنى مرتاد المنية: طالبها.

(٨) انظر شرح ديوانه ١/ ٥٩. فالمتنبي قد أخذ المعنى كله مع بعض الألفاظ كالمنية والفراق، وبدَّل النفوس بالأرواح.