حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

التضمين والحل والعقد

صفحة 225 - الجزء 1

التَّضْمِينُ وَالْحَلُّ وَالْعَقْدُ

  وَالأَخْذُ مِنْ شِعْرٍ بِعَزْوِ مَا خَفِي ... تَضْمِينُهُمْ، وَمَا عَلَى الأَصْلِ يَفِي

  بِنُكْتَةٍ أجْمَلُهُ وَاغْتُفِرَا ... يَسِيرُ تَغْيِيرٍ، وَمَا مِنْهُ يُرَى

  بَيْتًا فَأَعْلَى بِاسْتِعَانَةٍ عُرِفْ، ... وَشَطْرًا اوْ أَدْنَى بِإِيدَاعٍ أُلِفْ

  أقول: التضمين اصطلاحا: أن يضمن الشعر شيئا من شعر الغير مع التنبيه⁣(⁣١) عليه إن لم يكن مشهورا عند البلغاء، كقوله [الوافر]:

  عَلَى أنِّي سَأَنْشِدُ يومَ بَيْعِي ... «أضَاعُوني وأيَّ فَتَىً أضَاعُوا»⁣(⁣٢)

  وأحسنه ما زاد على الأول بنكتة، كالتورية والتشبيه في قوله [الطويل]:

  إذا الوَهْمُ أبْدَى لي لَمَاها وَثَغْرَها ... «تَذَكَّرْتُ ما بَينَ العُذَيْبِ وَبَارِقِ»

  يُذَكِّرُنِي مِن قَدِّها وَمَدَامِعِي ... «مَجَرَّ عَوَالِينا وَمَجْرَى السَّوَابِقِ⁣(⁣٣)»

  واغتفر التغيير اليسير⁣(⁣٤).


(١) وبهذا يتميز عن السرقة.

(٢) هذا البيت للحريري، يحكي ما قاله الغلام الذي عرضه أبو زيد للبيع، والمصراع الثاني صدر بيت للعرجي وتمامه:

ليومِ كَرِيهَةٍ وسِدادُ ثَغْر

فقد ضمن الغلام شعره الذي أنشده عند بيعه المصراع الأول من بيت العرجي، ونبه بقوله: سأنشد على أن المصراع الثاني لغيره، والحريري حكى ما قاله ذلك الغلام. وقوله: «أيَّ فتى» مفعول لـ «أضاعوا» مقدم عليه، و «أي» استفهامية أريد بها التعظيم والكمال.

(٣) البيت لابن أبي الأصبع المصري. ومعنى لماها: سمرة شفتيها، مجر عوالينا: جر الرماح، ومجرى السوابق: جري خيلنا التي تسبق غيرها، وقوله:

تذكرت ما بين العذيب وبارق ... مجر عوالينا ومجرى السوابق

مطلع قصيدة لأبي الطيب. والعذيب وبارق: موضعان، فالشاعر الثاني أراد بالعذيب: تصغير العذب يعني شفة الحبيبة، وببارق: ثغرها الشبيه بالبرق؛ وبما بينهما: ريقها، فزاد على أبي الطيب بالتورية في ثلاثة مواضع، وبالتشبيه الضمني حيث شبه تبختر قدها بتمايل الرمح، وتتابع دموعه بجريان الخيل السوابق. سعد ودسوقي.

(٤) أي: التغيير اليسير لما قصد تضمينه ليدخل في معنى الكلام، كقول الشاعر في يهودي به داء الثعلب، وهو داء تفسد به أصول الشَّعْر فيتساقط:

=