حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

[تقديم الشارح]

صفحة 24 - الجزء 1

  واعترض على جعل الله عَلَمًا بأنَّ وضع العلم بإزاء ذاته تعالى فرعُ تعقلِهِ، ولا تَعَقُّل، فلا وضع.

  وأجيب: بتعقله تعالى بصفاته، والمنفي تعقله بِكُنْهِ حقيقته، وهو غير لازم في وضع العَلَم. على أن الواضع مطلقًا⁣(⁣١)، أو واضع هذا الاسم هو الله تعالى عَلَّمَهُ لغيره بوحيٍ أو إلهام.

  و (الرحمن الرحيم): اسمان بُنيا للمبالغة، مشتقان من: «رَحُمَ⁣(⁣٢)» أي: من مصدر ذلك.

  والرحمة: رِقَّةٌ في القلب وانعطافٌ يقتضي التفضلَ والإحسانَ. وأسماؤه المماثلة لهذه مأخوذة باعتبار الغايات التي هي أفعال، دون المبادئ التي هي انفعالات؛ لاستحالة الكيفيات النفسانية عليه تعالى، فالرحمة هنا مجاز مرسل عن الإحسان أو إرادته، استعمالًا لاسم السبب في المسبب. والأول أبلغ من الثاني؛ لزيادة بنائه، كما في: «قَطَعَ» و «قَطَّعَ». ولا نقض بِـ: «حَذِر» و «حاذر»؛ لعدم التلاقي في الاشتقاق⁣(⁣٣).

  وقدّم «الله» على تالييه؛ لأنه اسم ذات، وهي مقدَّمة على الصفة؛ فقدَّم ما يدلُّ عليها، وهذا التقديم تَعَقُّلِيٌّ، وإلا فذات الله تعالى وصفاته ليس فيها تقديم ولا تأخير بحسب الواقع.

  وقدم «الرحمن» على تاليه لأنه صار عَلَمًا بالغلبة التقديرية⁣(⁣٤)، من حيث إنه لا يوصف به غيره تعالى.


(١) قوله: «على أن الواضع ... إلخ» أي: واضع اللغات على الإطلاق، أو واضع هذا الاسم هو الله تعالى، فلا يرد هذا الاعتراض؛ لأن علم الله ليس بتصور.

(٢) بضم الحاء منقولاً من رحم بكسرها. مخلوف

(٣) أي: نوع الاشتقاق؛ أي: أن نوعهما المشتق من المصدر مختلف، فـ «حذر» صيغة مبالغة، و «حاذر» اسم فاعل. مخلوف.

(٤) الفرق بين الغلبة التقديرية والغلبة التحقيقية: أن التحقيقية هي الحاصلة بعد استعمال اللفظ بالفعل في غير ما غلب عليه كغلبة النجم على الثريا. والتقديرية: هي الحاصلة من غير أن يستعمل اللفظ بالفعل في غير ما استعمل فيه؛ لكنه صالح لِأنْ يستعمل في الغير. مخلوف.